، كان صراعا كالبركان يموج تحت السطح ، يثور فيطلق حممه أو يهدأ لكن باطنه جحيم سائل ، بين كل من جودت وعارف ، بين رئيس مجلس الأدارة والمدير المالي ، كلاهما يخشى الأخر وكلاهما يتجنب الأخر قدر المستطاع لأن صدامهما سوف يصل بالضرورة الى مسامع صاحب مجموعة الشركات الدكتور / اسماعيل شامل ، فجودت في نظرعارف مجرد موظف مثله تماما ولكن غاية ما هنالك انه موظف كبير بعض الشيء اختاره الدكتور ليترأس هذه الشركة، بينما يرى جودت ان عارف فهيم (مش عارف حاجة) كما يقول دائما قبل أن يطلق ضحكة فاحشة ، وأنه مجرد فلاح قليل الذوق ضيق الأفق محدود الفكر لا يجب أن يفكر لأن التفكير يمرضه ، عليه فقط أن ينفذ ، لأنه لايفهم حقيقة العلاقات والتوازنات بين جودت و الدكتور اسماعيل و التي يراها جودت صارت علاقة أستراتيجية تخطت مرحلة الرئيس والمرؤوس ووصلت لعلاقة الأب بأبنه ، فكثيرا ما قال له الدكتور انه يذكره بشبابه و كثيرا ما اثنى على عمله ومجهوده ونجاحه في أدارة شركة المقاولات وما حققته من أرباح على يديه وتحويلها لثلاثة شركات ....ألخ ، وكثيرا ما أصطحبه معه لمقابلات حساسة مع مسئولين كبار أو في سفريات هامة بالخارج ، جودت كان واثقا من علاقته بالرجل الكبير و كان يتصرف على أساس انه صاحب الشركة فهو يرى انه أشترى أسم المجموعة من الدكتور أسماعيل شامل مقابل ان يدفع له عدة ملايين سنويا ، هذا هو كل ما يهم الدكتور أسماعيل شامل ، شركة تنفذ له أعمال المقاولات التي يحتاجها بأسعار أقل من السوق ، و عدة ملايين مضمونة من أرباح هذه الشركة تدخل حساباته سنويا دون عناء ، وفي المقابل يحصل جودت على عقود عمل سخية ومضمونة عن طريق أتصالات الدكتور و يفعل ما يشاء ، لقد فهم اللعبة جيدا بهذا الشكل وراح يدير الشركة على هذا الأساس ، عارف فهيم الحدق نقل من أحدى شركات المجموعة ليتولى مهمة الأدارة المالية بتوصيات من الحرس القديم بالمجموعة بحيث يراقب تصرفات جودت ويحاول كشف أي مخالفات يقوم بها ، كان قدامى كبار موظفي المجموعة يخشون من نجم جودت الساطع وأسمه المتألق في المجموعة وعلاقته الوطيدة بالدكتور و يخافون من طموحه وحماسه وذكائه الحاد جدا ويشعرون بالرعب من صعوده الصاروخي مخافة أن يغطي عليهم وبالفعل صار جودت خلال فترة وجيزة الفتى المدلل للدكتور شامل و بدأ يصنع لنفسه حول الدكتور لوبي مؤيد له وينفق عليهم ببذخ شهريا ، عارف في قرارة نفسه كان على أستعداد للتخلي عن الصراع مع جودت والكف عن ملاحقته شريطة أن يمنحه الأخير بعضا من فتات الكعكة خاصة أنه كان عاجزا عن الأمساك بأي شيء يدينه ، لكن جودت تعامل معه باسلوب مختلف من المراوغة والملاعبة بحيث يشعره بأنه متفهم تماما لحقيقة دوره بالشركة و سبب وجوده معه كعين عليه أو عصفورة كما يطلق عليه ، و يوحي أليه بانه غير مكترث بهذا الدور ولا خائف منه وانه يفعل ما يراه كمالك وليس حتى موظف كبير ، وانه سوف يعطي ويمنح بمزاجه وليس بسياسة لي الذراع التي يلوح بها عارف فهيم الحدق من وقت لأخر ، كان على يقين من أن عارف ولائه الأول دائما سوف يكون لمن زرعه بالشركة ، وانه طماع لن يقنع ابدا مهما اخذ ، كان جودت مربي خيول و فارس وخيال قديم ، لذلك فان اسلوبه هو الترويض والمسايسة و النفس الطويل ، يجيد سياسة الشد والجذب ببراعة ، يعرف متى يظهر السكر ومتى يشد اللجام ، كان يتعامل مع الموظفين على انهم خيول برية يلزم أستئناسها ، والمهندس جودت عبد الحليم فاضل نشأ وتربى في حي الزمالك لأب رتبة كبيرة بالجيش وأم من عائلة أرستقراطية والدها كان من الحاشية الملكية ، سرعان ما انفصلت عن الأب لعدم الأنسجام بينهما ثم سرعان ما تزوجت مرة ثانية من أستاذ جامعي وأنجبت شقيق جودت الوحيد نشأت والذي تربطه بأخيه غير الشقيق علاقة فاترة ، ورغم الثراء الفاحش للأم فقد ربت أبنها جودت تربية حازمة جدا وكانت تقطر عليه حتى يعرف كيف يحافظ على الثروة حين يكبر وليعرف قيمة القرش والجنيه جيدا ، وكذلك كان يفعل أبوه معه فقد خافا ان يؤدي انفصالهما لفساد الأبن و ضياعه ، مثل حالات كثيرة في النادي و بين معارفهما ، لذلك نشأ جودت نشأة جادة في حياة منظمة وشخصية مستقلة ومعتزة بذاتها وأصولها حاول خلالها أبويه أن يجعلا منه أنسانا يعتمد على نفسه ، يميل لأمه التي غذت في شخصيته الشعور الطبقي وانه من نسيج مختلف عن السواد الأعظم من الناس كانت تقول له دائما أنهم أذا كانوا قد ألغوا الألقاب فانهم لن يستطيعوا ان يجردونا من جذورنا وعراقتنا وتاريخنا ، لكن علاقته بأبيه كانت دائما متوترة ، فقد كان في قرارة نفسه يحمله مسئولية ألأنفصال عن امه و تمزيق الأسرة بسبب عصبيته الشديدة وعنفه مع الأم ، هوايته ورياضته المفضلة منذ صغره هى ركوب الخيل في نادي الشمس ، ثم تربيتها والتجارة فيها بعد ذلك ، غير ان هذه النشأة المتناقضة حرضت جودت دائما على محاولة أثبات ذاته على حساب اي احد اخر وكذلك الوسط الذي كان يعيش فيه طول الوقت كان يدفعه للسعي الى مزيد من الثروة وجمع المال حيث لا مكان في هذه البيئة الا للأثرياء فقط ، جودت يعرف ان كل رواد النادي والأصدقاء يحترموا بعضهم البعض على قدر ثرواتهم ، وبالطبع كان جودت ناقما على ثورة يوليو وانجازاتها الأجتماعية ، يرى انها ساهمت في تفتييت الملكية وأنها اتت بأشخاص متهورين لا يفهموا شيئا في السياسة ، خربوا البلد وحكموها بالحديد والنار ، كانت فكرته عن الحياة انها قائمة على الصراع الصريح وانها تضم فئتين من الناس السادة والعبيد و(انتهينا) على حد تعبيره ، فالدنيا اما أن تكون فيها راكبا فتكون سيدا وأما ان تكون فيها (مركوبا) فتكون عبدا ، فلا مجال للعواطف او الشفقة أو الرحمة لأنها معاني تقود للفقر والضعف من وجهة نظره ويمكن أن تحولك من سيد لعبد ، وانما قد ينطوي الأمر في بعض الأحيان على خيط رفيع جدا من الأنسانية لحفظ ماء الوجه وترضية الضمير وتحسين الصورة أمام الذات وأمام الناس ، كان جودت يرى أن الموظفين هم اقل ذكاءا من أصحاب الأعمال وأنهم لو كانوا أذكياء ما أصبحوا مجرد مستخدمين يقبلوا ان يتحكم فيهم أشخاص أخرين ، وأنهم ما داموا قد قبلوا ذلك فعليهم أن يتحملوا كل ما يفعله بهم أرباب العمل ، فهم مجموعات من التنابلة تريد ان تعيش على مجهود وابداع وفكر اصحاب الأعمال الذين يتحملوا المخاطرة والقلق و تقلبات السوق ، فكان يتعامل معهم من منطق الأذلال و كسر النفس وقتل الكبرياء بداخلهم ، فلا يفوت فرصة لأذكاء هذا الشعور عندهم ، لأنه يرى ان وجود مثل هذه الصفات في شخصياتهم تفسد أستجابتهم للتعليمات ، وتجعل لهم رأي شخصي في العمل الذي يقوموا به مما يخرجه على غير ما يرام ، وعنده أن الموظف لابد ان يشعر بالشدة والقوة والخوف دائما والا يكون لديه ما يسمى بالعشم في رب العمل أبدا ، فكان يتعامل مع الموظف تعامل الحداءة مع الأرنب البري الراكض ذعرا منها هيمنتها ، حين تنقض عليه من أعلى تحمله بمخالبها ثم ما تلبث ان تلقيه مرة أخرى ، فقط لتريه قوة مخالبها و توقع اليأس في داخله من محاولة النجاة منها ، ثم ما تلبث ان تكرر ذلك قبل أن تلتقطه مرة أخرى ، لتجثم فوقه و تنهشه ، هكذا كان يفكر جودت ، بدأ حياته مهندسا بأحدى شركات المقاولات الأجنبية و بدأ عمله الخاص بالتوازي في نفس التوقيت أيضا ، كان يعمل عشرين ساعة يوميا يخرج الفجر ولا يعود الا بعد منتصف الليل حتى ألتقى بالدكتور اسماعيل شامل الذي اسند له مشروع صغير على سبيل الأختبار حين نجح فيه وادرك انه أكتسب ثقة الدكتور فاقترح عليه ان ينشأ شركة للمقاولات ضمن المجموعة ثم دارت العجلة ، وعلى الجانب الأخر يرى فهيم الحدق أن جودت مثله مثل شخصيات كثيرة بالمجموعة هبطت على المناصب باساليب ملتوية و وانهم يستغلوا هذه المواقع في تهليب أكبر قدر من المال و تحقيق ثروات طائلة فالجميع يتوجس من الغد المجهول ، الدكتور اسماعيل شامل دكتوراة في الأقتصاد ، رجل له أتصالات علوية بدوائر صناعة القرار تدعمه و تغض الطرف عن مديونيتة الكبيرة بالمليارات للبنوك وله علاقات خارجية ودولية واسعة فهو شخصية غامضة يتردد انه يتاجر في السلاح ، عضو بارز في الحزب الحاكم ، ومصيره غير معروف لأن وجوده مرتبط بالمنظومة السياسية كلها في البلد ويمكن ان تتم الأطاحة به في أية لحظة أو التضحية به وجعله كبش فداء في اي قضية أو ان يذهب اذا ذهب النظام وبالتالي فأن كل من يعمل معه وحوله يسابق الزمن لتحقيق اكبر قدر من المكاسب قبل ان يسقط الرجل ، خاصة وان جميع شركات مجموعته تخسر تقريبا ويقال ان شركاته الخارجية هى التي تجعله يستمر ويقال أنه يتعامل مع المخابرات وروايات كثيرة تحاك حوله ، فهيم مدير مالي محب لمهنة المحاسبة فليس له هوايات أو أنشطة بخلاف العمل سوى تربية الموا شي والخراف في حظيرة ملحقة بمنزله بالبدرشين فهذه لحظات يجد فيها نفسه و يشغل وقته في شيء مربح ، أسعد أوقاته عندما يرتدي الجلباب البلدي و يجلس امام البيت يتبادل التحية مع المارة متقمصا شخصية العمدة ، يحب جدا ان يحترمه الناس وان يقولوا له استاذ عارف عائلته ليست كبيرة في البلد لكنه يكره تذكر ذلك او الأعتراف به ، مجامل جدا لكل العائلات فهو حريص على حضور المأتم والأفراح و أتباع الجنائز ، وهو من أسرة ريفية والده كان ميسور الحال يعمل بالفلاحة في ارضه ، لذا فأن النشأة الريفية متجذرة بداخله وما زالت لها بصماتها العميقة على شخصيته وطريقته في التعامل وكان دوما يردد مثلا شهيرا قالته أمه (التعبان لو ما لدعش تبقى الفتلة أحسن منه) ، كانت بدايته مفتش تموين و كل الباعة والجزارين يظنون انه مازال في هذه الوظيفة لذلك يحصل على افضل شيء ، لكنه سعى للعمل بالقطاع الخاص في اعقاب الأنفتاح أوئل الثمانينيات ونجح في الألتحاق بالمجموعة بمرتب لا يحلم به ، لاقى في البداية صعوبات كثيرة للتكيف و اثبات وجوده وسط حشد الموظفين من أوساط مختلفة ونجح في ذلك بعد معاناة وكفاح حتى صار واحدا من أفضل المحاسبين ثم المديرين المعروفين على مستوى شركات المجموعة ، معروف عنه انه وصولي جدا و متطلع للصعود ولو على حساب زملاؤه او عن طريق الوشاية بالأخرين لكنه شاطر في العمل ، هو رجل موسوس وشكاك لأقصى حد ، وصل لمرحلة الغرور المهني فكثيرا ما يردد ضاحكا أنه لا يجيد شيئا في الحياة الا الفحولة و المحاسبة !!! وأن المحاسبة علم أجتماعي مبني على المنطق و أشياء من هذا القبيل، ينصب نفسهمن خلالها منظرا لعلم المحاسبة وجهبذ من الجهابزة ، ومع هذا الغرور ورغم ما وصل اليه كان شعورا بالظلم يلهب صدره تجاه وضعه بالمجموعة والفجوة بين مرتبه و مرتبات اخرين ممن تم تعيينهم بالواسطة ، تفاءل عارف خيرا حين نقل للعمل مع المهندس جودت كان شكل جودت وأسلوبه في البداية كفيلا بأن يعول عليه عارف في تعويضه عن ما فاته في المجموعة لكن جودت خذله و عامله معاملة مزرية جدا ، جودت كان يعلم أن فهيم مدير مالي كفء ، لكن سياسته أن لا يشعر الموظف بكفاءته حتى لا يتطلع لزيادة المرتب أو لمكافأت ، بل يتصيد الأخطاء الساذجة والبسيطة و ينفخ فيهاحتى يقتنع الموظف أنه مقصر ومهمل ومستهتر في عمله ، ويفقد الثقة في نفسه تماما ، ثم يحمد الله على ان المهندس جودت يتحمله و لم يقطع عيشه حتى الأن ، وفهيم كان يعلم ذلك ويحاول جاهدا ان يتلافى أي خطأ او قصور وظل هذا الأمر يضغط على أعصابه باستمرار ويعكر صفوه كل يوم و يستهلكه ، ، وحين يطالبه مرؤوسيه بتحسين أوضاعهم ، يقف موقف المتهم المدافع عن نفسه الشاعر بالتقصير ، معظمهم تم تعيينهم من معارفه الشخصيين لذلك يشعر بالحرج منهم حين يبدو عاجزا عن تحقيق مطالبهم البسيطة ، كذلك كان جودت في حقيقة الأمر لا يريد معه مدير واعي حتى يستطيع أن يفعل مع يريد دون معارضة..... فوجئت بالأستاذ فهيم امامي ، لا أعرف ماذا أفعل ، أتردد بين أن أرحل او أنتظر لكن صوت فهيم مزق حيرتي وهو يناديني بأن أتبعه لمكتبه ، فهمت ان محاولتي للفرار قد باءت بالفشل وأن السهرة طويلة فحضور فهيم للشركة في هذا الوقت يعني أن هناك امرا هاما ، دخل فهيم لمكتبه ملقيا بنفسه فوق الكرسي وهو ينفخ ويزبد مناديا على الساعي (عبده العتر) كبير السعاة ليحضر له فنجان قهوة مظبوط بينما جلست امامه أجول بين ملامحه الغليظة ، اشعل سيجارته السوبر الطويلة وهو يتصل بكامل ليحضر له على الفور في مكتبه ، هرول كامل لمكتب الأستاذ فهيم مسرعا ، أرتمى على الكرسي المقابل لي وهو يلهث ، بادرنا بأن المهندس جودت يطلب بيانات هامة عليهم أعدادها الليلة ولابد ان تكون جاهزة على مكتبه غدا ليذهب لمقابلة الدكتور بها حتى يحصل على دفعة مالية كبيرة ، تجهمت فبذلك ضاعت جولتي اليومية بوسط البلد ، لكن كامل بدا مسرورا بالمكوث ، وهو يستأذن من فهيم بان يتصل بالمطعم ليرسل وجبات بعددنا حينها سأل فهيم عن العدد فاخبره كامل بانه أربعة بالأضافة لعبده العتر الساعي أستفسر فهيم عن الأربعة ، فعلم أن صفوت فوزي ليس من بينهم ، سأل عنه كامل فأخبره بانه غائب اليوم ، استشاط فهيم غضبا وهو يتمتم بكلمات ساخطة على هذا الغائب تكشف عن فيضا من الغيظ الجارف تجاه صفوت ، ثم أسرع بالأمساك بالتليفون متصلا بجودت يشتكي له من تكرار غياب صفوت واستهتاره بالعمل وأنه لا يتصل حين يغيب ليستأذن او يعتذر ، صفوت هو الوحيد المعين من طرف المهندس جودت وفهيم لا يحبه أطلاقا لأنه يعتبره ليس من رجاله في الادارة ، صفوت أيضا لا يكن أي ود ناحية فهيم ويرى انه أناني و نرجسي والأنا عنده متضخمة جدا ، صفوت قبطي في منتصف العقد الخامس من العمر ويبدو اصغر من ذلك بكثير ، غير متزوج وغير مكترث بأي شيء في الحياة اللهم ألا متعته الشخصية ورغباته الخاصة التي لا يستطيع ان يمنع نفسه عن قضاءها مهما كانت التكلفة حتى لو أضطر للسهر ولم يتمكن من الحضور للعمل في اليوم التالي ، وفي حى الظاهر حيث الجو الشعبي تربى صفوت لأب من جذور صعيدية يعمل في الصاغة بمرتب زهيد وأشقاء كثيرين بشقة ضيقة في الطابق الأول بمنزل مكون من طابق واحد في غمرة ، تشكلت شخصيته في هذا الجو الذي يتعايش فيه الناس جميعا على أساس حسن الجيرة والعلاقات الحميمية وتبادل التهاني في المناسبات والأعياد ولو على سبيل المجاملة , لكن لسبب أو لأخر اعترته هذه الحالة من اللامبالاة التي لا تحدها حدود وعلى الأرجح انها كانت صدمة عاطفية في مرحلة الشباب وقصة حب فاشلة دفعته لأن يكفر بكل ألتزام أو قيد يحد من حريته الشخصية ، صدمة رفض بعدها ان يكون أسيرا لأي معنى من معاني الحياة حتى الدين نفسه كان تاثيره خافتا جدا عليه ، ساعدته حياة الأنطلاق هذه على الأطلاع على كثير من المعارف والثقافات وعلى السفر ، فسافر للبنان وقبرص ومكث بضع سنين ثم عاد كما ذهب ، حين يحدثه أحد عن الزواج فأنه يتعلل بالحالة المادية الصعبة ثم يحسبها من كل زاوية حتى يبدو الزواج مستحيلا ، والحقيقة انه كان فاقدا للرغبة في الألتزام الذي يولده الزواج و خاصة الزواج وفقا لنظام الأقباط حيث لا طلاق فيه ، صفوت شخص حاد الذكاء ويتمتع بسرعة بديهة و روح الدعابة والفكاهة وهو بلغة الشارع صايع قديم لديه قدرة عجيبة على التأقلم والتكيف و التلون حسب المشهد بحيث لا يغضب منه أحد ،في بعض الأحيان يكون شجاع و صريح في رأيه جدا حين يشعر بظلم ، حين يقرر ان يتحدى نفسه ينجز حجم هائل من العمل في ساعات قليلة غير انه وحتى هذا الألتزام يتعامل معه على انه فزورة أو لغز أو لعبة مطلوب فيها التحدي و الفوز ، وذلك ليستنفر ارادته المعطلة ويشحن اجهزة الهمة المعطوبة بداخله وجزءا من ذلك أيضا كان يتجنب براثن عارف فهيم الحدق والتي يشعر انها متربصة به دائما ولكي يبقى بمأمن منها ، عليه ان يؤدي عمله على أكمل وجه حتى لا يترك فرصة للحدق يؤلب عليه المهندس جودت لكن غيابه الكثير و ضعفه أمام السرير وحب النوم في ساعات الصباح الأولى شتاءا وصيفا كانا كثيرا ما يوقعانه تحت طائلة العقاب و الخصم المالي من مرتبه ، لأن الغياب والتأخير والنساء هم نقاط ضعفه الوحيدة ، أهم مميزاته حب المعرفة لكل جديد فجهله بأي شيء يستفزه لأن يعرف ولا تمر الأمور مرور الكرام عليه ، لكن النميمة واحاديث الهمز و الغمز واللمز هوايته المفضلة داخل العمل وهو يهدف منها الى كسب ثقة الأخرين فيستقطب احدهم ليتحدث عن اخر وما ان ينصرف الأول حتى يستقطب ثان ويتحدث معه عن هذا الذي انصرف وهكذا ، كان صفوت يجتهد في ان يظهر لكل واحد من زملائه على حدة بانه زميل مخلص له وأن علاقة الزمالة بينهما خاصة ومميزة بينما الأمر على عكس ذلك تماما ، خاصة وهو يفهم طبيعة العلاقات بين كل أثنين او ثلاثة من مجموعة العمل ، من يحب من ومن يكره من والغريب ان ذكاؤه خانه تماما في هذا الأمر لأن الجميع كانوا قد فهموا طبيعته جيدا وتعاملوا معه على هذا الأساس بينما ظل هو لايدري ان طريقته باتت مكشوفة ، ولعل الأمر كان عادة سيئة جدا يصنعها الشعور بالقلق من ان يصبح الجميع سمن على عسل بينما يبقى هو وحيدا خارج هذه الدائرة ، و محاولة للمشاركة والمعايشة و المسايرة لعادة سيئة منتشرة في الشركة كلها ، صفوت كان متعصب جدا لمسيحيته ليس عن تدين و علم بتفاصيل عقيدته ، فلم يكن متدينا ولا مواظبا حتى على الذهاب لدار العبادة بل حتى في بعض الأحيان كان الجميع يشعرون أنه لا يؤمن بأي دين ، لكن أرائه كانت نابعة من تشيع غير موضوعي في كثير من الأحيان لفريق ينتمي هو اليه ولو بالأسم ، ثم كراهية للأخر الذي يرى انه مجحف ويحد من حريته التي كان يريدها بلا قيد ، كما ان شعورا بالأضطهاد يسيطر على تفكيره دوما ، ، لكن يبدو انه كان غير مستعدا لمواجهة ضوء الحقائق الكاشف وبرواز الواقع الذي ترسمه العلاقة بين ألأغلبية والأقلية و الذي لا سبيل لأنكاره أوالتنصل منه ، وهذه الحالة لم تكن قاصرة على صفوت بعينه لكونه قبطيا لكنها كانت حالة عامة تسود الجميع ، مجرد التحيز المبني على العصبية وليس على الأيمان الحق والنظرة الموضوعية للأمور ثم تقبل الأخر وليس رفضه بالكلية وكنت أرى أن مسألة الدين في بلدنا أصبحت أهلي وزمالك عبارة عن تشجيع أعمى ومناصرة على طول الخط حتى لو كان فريقي يؤدي اداء سيء وتخلى عن الأجتهاد حيث ان الدين وراثة لابد ان تستمر وتبعية لا يد فيها لأحد !!! وكنت أقول لزملائي دائما فيما بيننا ان صفوت مآله للأسلام في النهاية فلقد جرب كل شيء في الحياة ولم يعد هناك شيئا لم يفعله ألا الأسلام ومع ذلك فهو لا يشعر بأي راحة بعد ان عاش الحياة بطولها وعرضها ، و كثيرا ما ندخل في القسم في نقاشات دينية حادة يظهر فيها سطحية الجميع في قراءة الدين وأستقراء نصوصه و الخلاف بين صفوت من جهة والباقين من جهة أخرى و عدم أقتناع كلاهما برأي الأخر .....
الخميس، 11 يونيو 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق