الخميس، 11 يونيو 2009


شلة الأنس
فور ان أنشأ جودت الشركة ألتفت حوله مجموعة من المقاولين الذين عملوا معه قبل ذلك وحفنة من الأصدقاء والأقارب الذين أرادوا أن يستثمروا علاقتهم به و ينتفعوا بالوضع الجديد له ، جودت كان حريصا أيضا في قرارة نفسه على وجودهم معه و تثبيتهم حوله فهو واثق أن لعابهم سال للربح العالي وبالتالي سوف يسهل عليه الضغط عليهم و تمرير مكاسب طائلة لحسابه من خلالهم لثقته فيهم و في ولائهم اليه على مبدأ ( كله يكسب ) وبدأ جودت تنفيذ مشروع جديد و ضخم لصالح مجموعة شركات الدكتور يستمر لسنوات عدة ، توطدت خلاله علاقته بهم ، فكان لابد أن يلتقيهم يوميا في أحد المراكب العائمة المملوكة للدكتور أيضا و السهر سويا حتى ساعات الصباح الأولى ، بدأ جودت يتأثر للغاية بشخصية الدكتور شامل و أسلوبه وطريقة كلامه وتفكيره فكان يحاكيه في كل شيء حتى السيجار والصحبة التي تجلس حوله يوميا تتملقه وتثني على قدراته الخارقة في التعامل مع الدكتور وادارة الأمور على أفضل ما يكون و أحباط محاولات رجال الدكتور في الأطاحة به أو الوشاية ضده لدى الدكتور كل يوم ، كان قسما كبيرا من أحاديث الجلسات المسائية تدور حول العمل ما تم والمزمع عمله غدا ومستقبلا ، لكن الأمر لا يخلو من طرفة أو ضحكة أو قفشات أو التطرق لموضوعات أخرى عامة على سبيل الدردشة ، وقضاء الوقت وبالطبع بدأ بعضهم ينفر من بعض و تحول التنافس بينهم للتقرب من جودت الى كراهية متبادلة وصراع بارد كل منهم يريد ان يتقرب على حساب الباقين ، و يبدو ذلك جليا في تباين الأراء في أي موضوع حتى لو كان بديهيا ولا محل فيه لخلاف ، جودت كان سعيدا بروح الكراهية والصراع السائد بين محيطيه فهى ترضي غروره جدا لأنه تملكهم جميعا ويتنافسوا على ايهم يكون ألأقرب اليه كما انها تضمن له عدم اتفاقهم ضده كذلك فأن التباين والتضاد يفرز تيارات متعاكسة الرؤى تفتح له منابع لأفكار جديدة يستخدمها جودت لأثراء خبرته العملية والأدارية و الأستثمارية ، و بدأت الصحبة شيئا فشيئا تتدخل في خصوصيات الشركة بحجة المشورة والأدلاء بالرأي والتسابق على اظهار خوفهم على جودت وحرصهم على مصلحته و توفيرا للنفقات فهم يعرفوا مدى حبه للتوفير جدا ، و أصبح أسمهم المعروف همسا بين موظفي الشركة ( الخمسة الكبار) حيث لا يجروء احد على التعليق على اسعارهم العالية مقارنة بأعمالهم السيئة وهم الشيخ فادي عثمان مقاول الكهرباء والمهندس عاطف سيدهم مقاول عزل ، والمهندس احسان الراوي مقاول في كل شيء ، والحاج مسعود حافظ مقاول الصحي ، و سعيد بشلة مقاول الرخام ، و على الرغم من كونه ليس مقاولا ولا موردا كان منصور جريشة صاحب مقعد مقرب جدا و ثابت واساسي في اللقاءات المسائية لكنه بالطبع كا ن يستفيد بعقود تامين كبيرة من الشركة الجديدة ، ، وكان يغار جدا على علاقته بجودت ولايرضى عن المقعد الأدنى بديلا ، منصور كان أبن نكتة ذكي وعصامي اعتمد على نفسه وسافر للعمل في انجلترا ثم عاد وأحترف التأمين ، مهنته كانت غالبة على طريقته في الحياة وعلى شخصيته فهو لبق جدا ومتكلم ويجيد لعب دور المستشار كان صاحب اقوى العلاقات بجودت و أكثرها ثباتا واستقرارا ، استطاع أن يجذب جودت لعالمه و يغمسه في الجو الأسري المتوفر في بيته بالدقي فزوجته طاهية ممتازة ومحبة لزوجها منصور لأبعد حد و بالتالي لكل معارفه واصدقاؤه ، وكيف لا وقد تزوجها رغم تواضع مستواها الأجتماعي مقارنة به ، كانت شريكته في كل شيء حتى العمل كانت تشاركه انتاج عقود التأمين بعد ان علمها ورسخ قدميها لأنه كان مريض بنوع متقدم من السكر والكلى، ومنصور رجل فكاهي و صاحب تقاليع و تغيير مستمر في طريقة حياته ، فهو ملول بطبعه يحب التجديد المتواصل ، لقد نجح منصور في ان يجعل جودت يحبه كأنسان و صديق ، وان يغلب هذا الشعور على علاقة المصلحة والمنفعة التي توارت خلف هذا الغلاف الدافىء من العلاقة الأنسانية ، نجح في ذلك لأنه بفطنته ادرك أن جودت يفتقد هذا الجو في بيته لدرجة تجعله كلما نجح في عمله أكثر يبتعد عن البيت أكثر فاكثر ، ولا يريد العودة بحجة العمل و الأنشغال المستمر ، الوفاق الزوجي كان مفتقدا تماما بينه وبين حرمه مدام نجوى ، ربما تسرع في الأختيار او ربما اختلاف الأمزجة أو ربما أنصب أختياره على تماثل الغنى والثروة بينهما فقط دون نظر لاعتبارات أخرى ، أو ربما عدم قدرته هو على أنجاح العلاقة فهو مسئول ايضا عن هذا الأخفاق ، نجوى كانت من رواد النادي فتاة تعيش حالة من الأرستقراطية الطارئة ، الثروة في عائلتها ليست موروثة ولكنها مكتسبة من خلال تجارة والدها ، تعرف عليها وقرر الزواج منها رغم رفض الأم و تحفظ الأب عليها ، كان السن بينهما متقارب ويرى الوالدين انه كان بامكانه الفوز بشيء افضل ، لكنه أصر واراد أن يكون أختياره نابعا من رأيه على أعتبار أنه هو الذي سوف يتزوج ، وأيا كان سبب عدم التوافق الأسري بينهما ، ألزم جودت نفسه بحتمية استمرار هذا الزواج وان فكرة الأنفصال غير مطروحة تماما فمن الغباء ان يكرر التجربة القاسية لأبيه وأمه وان يساهم في معاناة ولده وأبنته مما عانى هو منه سابقا لا سيما وأنهم في مطلع سن الشباب وبحاجة لوجود ترابط اسري ، لذلك استمر جودت لكن في المقابل تحول منزله الفخم الى مكان خرب من المشاعر الأسرية و العلاقات الحميمية بين الأسرة و أستحالت الحياة فيه الى برودة موحشة ، نجوى لا تجيد الطهي ولا تجيد الشئون المنزلية لكنها تعتمد على الطباخة والخادمة لكن جودت يأنف من هذا الطعام ولا يستسيغه ، الأب مشغول بعمله طوال اليوم والأم أيضا لها حياتها الأجتماعية بالنادي وكذلك الأبن والبنت لكل منهما عالمه الخاص من الأصدقاء ،بمرور الوقت ازدادت حالة الأحتقان داخل الأسرة و دار بين الزوجين حالة من الصراع لأستقطاب الأبناء كل لصفه ، أهتم جودت بالأبن جدا كان هو أمله ويرى فيه خليفته المستقبلي الذي سوف تؤول له الثروة ، فاهتم كثيرا بدراسته و ترغيبه في رياضة الفروسية وأرساله للبطولات في اوروبا بمفرده لشهور عدة ، حاول جودت ان يصطحبه ويصادقه ويقترب منه ، بينما عملت الأم مع الفتاة الشيء نفسه ، الفتاة كانت متفوقة دراسيا لكن علاقتها بالأب كانت باردة لأبعد حد ، هو أيضا لم يبدي تجاهها الأهتمام ذاته الذي وجهه للأبن ، كانت الأم قلقة جدا على الفتاة التي انهت دراستها في أحدى كليات القمة بتفوق لكن على الرغم من الثراء والمركز الأجتماعي المرموق و العلاقات المتشعبة هنا وهناك التي تتمتع بها الأسرة فلم يتقدم أحد لخطبتها ، جودت شخص غير محبوب في النادي وكثير من الناس تتجنبه و لا تسعى للتعامل معه والأقارب ليس لديهم العريس المناسب من حيث السن ، الفتاة نفسها كانت متعالية جدا ومغرورة بشكل مستفز ولا تجيد تقديم نفسها كفتاة تصلح لأن تكون عروسا ، نجوى كانت تتهم جودت بالمسئولية عن هذا التأخير فهو غير مهتم بالأمر والوقت يمر و هوعاجز ان يستثمر علاقاته الكثيرة في اختيار عريس مناسب للفتاة ، بينما جودت يرى انه لن ينشر أعلان ليطلب عريس لأبنته وأن هذا هو دور الأم من خلال سيدات المجتمع من معارفها وانها لو كانت تجيد بناء علاقات صداقة جيدة لنجحت في حل هذه المشكلة ، جودت من وقت لأخر و تحت ضغط زوجته كان يفكر في بعض الموظفين لديه ، فكلهم من الشباب الصاعد ، لكن طبقيته وفارق المستوى المادي الكبير والأجتماعي ايضا كان يقضي على الفكرة في مهدها فكيف يزوج ابنته لشخص ثم يصرف هو عليه ، في ظل هذه الأجواء المتوترة أبتعد جودت عن البيت حتى لا تحدث المشاجرات الدائمة بينه وبين نجوى مما يؤثر على نفسية الأبناء ، والتقطه منصور صديقه يعوضه جزئيا عن هذه الحاجة الداخلية . بينما كان أحسان أحد اقارب جودت من ناحية أمه يسعى هو الأخر للتقرب من جودت ليحافظ على نصيب من مكاسب الوضع الجديد لقريبه فهو يرى أنه أولى الناس بالأستفادة من جودت ، لم يكن جودت متحمسا لوجود أحسان أبن عم والدته معه في العمل كان يرى ان علاقة القرابة سوف تؤثر سلبا على سير العمل بينهما لكن توصية الأم وألحاحها بأن يساعده لأن لديه أولاد كثيرين جدا و يحتاج لمساعدة ، هذا هو الذي جعله يقبل على مضض فأسند له بعض اعمال المقاولات ليكسب منها شيئا من المال ، كانت شخصية أحسان مختلفة عن جودت تماما فأحسان شخصية أنبساطية هادىء جدا ودائم الأبتسام والعمل بالنسبة له وسيلة وليس غاية فهو وسيلة لكسب الرزق و تربية الأبناء حتى يتزوجوا ويستقلوا بحياتهم فهو لا يسعى لتكوين ثروة هائلة بقدر ما يريد ان يستمتع و أن تستمتع أسرته برحابة العيش وجمال الحياة ، كان رجل اسري من الطراز الأول يحب البيت و جلسات الأبناء من حوله ، تمتلىء جدران منزله بصور عائلية كثيرة وصور لأفراح بناته في الكوشة وصورة فرحه تتوسطهم ، فهو يعتز بها كثيرا لأنه يحب زوجته فريدة للغاية وهى كذلك ويظهر جودت في الصورة وقد كان لا يزال طفلا يقف بجوار (انكل) احسان الجالس الى جوار عروسه في الكوشة ، منزله يعج بألاحفاد والدفء والحركة العائلية متواصلة حيث البيت محطة لكل بناته المتزوجات ، بنت قادمة تزور أبوها وأخرى تودعه عائدة لمنزلها وهكذا ، أحسان لأنه مهندس معماري يحب الديكور جدا ، منزله في الدقي عبارة عن تحفة فنية رائعة الجمال لأنه دائم التواجد بالمنزل بعد أن يغلق معرض الأثاث الذي يملكه فأنه يتفنن في زخرفته و الأعتناء الشخصي به ، و أحسان أيضا رجل يجيد الطهى كأفضل شيف ويعشق الطعام جدا وهو ذواقة بطبيعته ، ولعل ذلك هو سبب بدانته المفرطة و جسمه البرميلي شديد الأمتلاء ، حقق احسان مكاسب جيدة من وراء جودت فتحت شهيته أكثر للمزيد لكن العناصر الأخرى المحيطة بجودت كانت تقيد حركته و تحجم من حريته في الأنفراد بجودت على نحو يرضيه ، حاول احسان أن يشد جودت لعالمه العائلي الكبير ، لكن علاقة القرابة كان تجعل الأخير يتحرج من تكرار الزيارة ، كان يشعر بالأرتياح اكثر في منزل منصور جريشة كما انه كان لا يرتاح لقريبه أحسان فهو يشعر ان احسان سعى ليوطد علاقته به مؤخرا فقط من أجل المصالح ، كان الأمر واضحا والا فأين كان أحسان قبل ذلك ، العلاقات العائلية بينهما كانت شبه مقطوعة بحكم الأنشغال في هموم الحياة ، ثم اعادها احسان من ناحيته راغبا في تقويتها ، وبذلك صار عداءا مفضوحا بين منصور وأحسان كلاهما لا يحب الأخر لكن منصور كان اكثر ذكاءا وحصافة حيث كان دائما يكشف نوايا أحسان وأهدافه أمام جودت الذي لا يعلق ، المهندس فادي عثمان ايضا كان واحدا من المحيطين شديدي الذكاء والمحافظة على علاقته بجودت طيبة جدا ، فادي رجل طويل اللحية يحب ان يلقبه الناس بالشيخ فادي فهو يعتبر نفسه رجل متدين ، يؤمن بتعدد الزوجات فقد سبق له أن تزوج عشر مرات ، ودائما يكون على ذمته أربعة نساء مستعد للدفاع باستماتة عن التعدد بالحجة والبرهان والدليل ، فادي ليس مهندسا لكنه دبلوم اكتسب اللقب بخبرته فهو يفهم مثل أي مهندس في أعمال الكهرباء لأنه محترف وأبن سوق في المهنة ، ينتمي لأرياف الدقهلية ، عاش حياة فقيرة جدا في شبابه لدرجة انه لم يكن في جيبه أجرة طبيب الولادة حينما استقبل مولودته الأولى فذهب بزوجته على دراجته البخارية وهى تعاني ألاام المخاض الى اقرب مستشفى حكومي ، سافر للعمل بالعراق واستطاع بذكائه وحسن حديثه ان يتعرف على مسئول البعث في شمال العراق انذاك وحقق مكاسب كبيرة قبل أن يعود ليبدأ عمله الخاص بفتح شركة أعمال كهربائية ، جاب ارجاء اوروبا بقطار الشرق قبل ان يتم وقفه وله فيها ذكريات ساخنة جدا!!! يعشق النساء عشق جنوني وله في وصفه لذلك رؤية ونظريات غريبة للتمييز بين أنواعهم المختلفة !! و على الرغم من كونه تخطى الخمسين ويعاني من مرض السكر الا انه مازال مقبل على الزواج معتبرا ان ذلك فريضة توجبها حالة العنوسة التي يمر بها المجتمع ، يحب الزواج من الفتايات الصغيرات ومن الطبقة المثقفة جدا والمتعلمة ، لديه قدرة خارقة على اقناعهن بالموافقة على الزواج منه رغم أنهن يكن جميلات جدا وصغيرات ورغم أنه لا يقدم سوى أشياء عادية من الأثاث والذهب غير انه يتكفل بكل شيء تقريبا ، فادي اصبح لديه عدد كبير من الأولاد والبنات يخطأ في أسماؤهم دائما ، مدخل فادي الدائم للحديث مع جودت هو المدخل الديني من القران والسنة ، جودت رجل قليل المعرفة الدينية بشكل مخجل لكنه بين الحين والأخر كان يواظب على الصلاة في مكتبه ، البعد الديني في تربيته كان هشا للغاية لذلك كان الحديث معه بلغة الدين مسألة لا يستطيع فيها اطالة الجدل والمقاومة ، كان فادي متميزا على كل المحيطين ومتفوقا عليهم في هذه الناحية ، فلا يفوقه أحد عند الحديث عن الدين غير أن الأمر في كثير من الأحيان لا يعدو ان يكون صادرا من حنجرته فقط ، كان يدرك أن المعرفة بالدين في المجتمع الشرقي اطار جيد لتقديم الشخصية للأخرين وتحقيق المكاسب فالدين له سطوة كبيرة واحترام بين الناس كما ان جهل المجتمع بالدين حاليا يجعل كل من يلبس عباءته موضع أحترام وتقدير وثقة من العامة لضعف معرفتهم وحاجتهم لمن يعرف أكثر منهم في هذا الطريق ، الحاج مسعود حافظ رجل محترم جدا مهيب الوجه ثابت الملامح لديه شركة مع اخوته تتطور بسرعة ، ليس معه أي مؤهل لكن خبرته الحياتية أعظم من أي دراسة واي شهادة ، فحديثه الفطري يقطر بالحكمة وتدل على رجل عرك الحياة ، لا يتحرك بدون محاسب ينظم له الأمور وفي كثير من الأحيان يتحدث بدلا منه ، جودت يحترمه ويجله كثيرا فلا يغضبه أبدا ، الحاج مسعود رجل يحترم نفسه جدا ويعتز بها و لا يرضى بأقل من مستوى معين من المعاملة ، فشركته متنامية ولها سمعة كبيرة في السوق وشهرة متزايدة ، ومنذ ان حدثه جودت بطريقة غير لائقة هاتفيا واغلق الحاج مسعود الخط ثم ما هى الا دقائق وكان مندفعا من مدخل الشركة لمكتب جودت ودفع الباب بقدمه ودخل على جودت وهو غضبا يصيح محذرا من تعامل جودت معه بهذا الأسلوب مرة ثانية و انه يختلف عن أي شخص اخر فأن جودت يخشاه ويهابه تماما ، المهندس عاطف سيدهم صديق دراسة للمهندس جودت منذ الطفولة في مدرسة سان جورج ثم الكلية وهو قبطي من أسرة ثرية جدا واليه يعود الفضل في تعيين صفوت لدى جودت ، جودت ضعيف جدا أمام هذه الصداقة ، يكره ان يغضب عاطف ، وجود عاطف و الحاج مسعود في السهرات المسائية طفيف جدا ، أنضم أخيرا لهذه الشلة المعلم سيد بشلة مقاول الرخام ، وبالمناسبة فهو يكره لقب المعلم جدا ويفضل بدلا منه لقب أستاذ لأنه عام وغامض ، سيد بشلة من منطقة السيدة عائشة في منتصف العقد الرابع من العمر ، لا يحمل أي مؤهلات دراسية ، بدأ حياته عامل تركيب رخام يجلس كل صباح على مقهى الصنايعية بميدان السيدة عائشة حتى ياتي الرزق ، تعرف سيد على جودت عن طريق أحسان ، ثم ما لبث أن أستقل بنفسه وتلقفه جودت ليصنع منه مقاول رخام واعد جمع سيد أشقاؤه الأشقياء وقرر ان يحولهم لفريق من الصنايعية يعمل تحت يده , أسمه الحقيقي سيد صبحي وشهرته سيد بشلة نظرا للبشلة الواضحة في وجهه من مشاجرة قديمة ، أجرى العديد من عمليات التجميل لأخفاءها دون جدوى ، سيد تحول في فترة قصيرة لمقاول كبير يركب سيارات فارهة ويمتلك ورشة كبيرة ويشتري رخام بكميات كبيرة من شق الثعبان لحساب جودت و مشروعات الشركة ، هو رجل متطلع جدا للمزيد من الصعود يحاول ان ينسج حوله كثير من القصص والحكايات ليغير الصورة القديمة عنه ، تعلم استخدام الكمبيوتر وبعض كلمات اللغة الأنجليزية لكن لهجة الصنايعية مازلت ناضحة على تعبيراته وطريقة نطقه فهو ينطق الطاء تاء فمثلا بدلا من أن يقول طن يقول تن و هكذا ،،،، انضم سيد لمجالسة الكبار و مجارتهم بغية تقليدهم و التعلم منهم ، وجوده كان وسيلة من وسائل الترفيه والمرح فحكاياته الملفقة وتعليقاته وطريقة تصرفه في المواقف المختلفة تدخل شيئا من الكوميديا على الجلسة و توقع الجالسين من الضحك عليه ، سيد نموذجا صارخا لأشياء كثيرة خارج نطاق الممكن والمعقول في حياتنا هذه الأيام فالسرعة التي تحول بها كانت مبهرة وتمثل دليلا على حجم العبثية التي يعيشها المجتمع ، سيد كان يشعر أن موظفي الشركة ينظرون اليه نظرة دونية ، الجميع كان يتعمد أن يقول له يا معلم سيد ، فكان يحاول أن يعاملهم بنفس الأسلوب وكثيرا ما عرض على احدهم ان يترك الشركة ويأتي ليعمل عنده بمرتب أكبر ويقول (مافيهاش حاجة) ( بيزنس أز بيزنس ) ، تلك هى المجموعة الرئيسية التي أحاط جودت نفسه بها بالأضافة لبعض الموظفين المتنطعين والذين كانوا يتطفلوا على هذه الجلسات ليشاركوا في العشاء و تدخين الشيشة ، كان جودت بحاجة ايضا لأن يقرب منه بعض الموظفين أصحاب المهارات الخاصة والذين لديهم القدرة على تقنين تصرفاته و معالجتها من الناحية الفنية كل في تخصصه حتى تبدو قانونية و لا تثير أي شكوك ، المهندس ماجد مرتضى كان واحدا من هؤلاء فهو كفء جدا فنيا كما انه غزير المجهود ويعمل دائما باقل تكلفة مما يضاعف ارباح جودت ويسعده ، لكن ماجد في المقابل يريد نسبة من الكعكة بالأضافة لمرتبه الكبير وميزات أخرى ، هو نسخة مصغرة من المهندس جودت ولديه هدف واضح هو تكوين ثروة تتناسب مع حجمه من وراء المهندس جودت وبأي ثمن و في سبيل ذلك كان على استعداد لفعل أي شيء ، ايضا صفوت كان المحاسب المسئول عن معالجة أمور كثيرة فنية وضريبية وبعد أن قرر جودت نقله للمصنع الجديد في 6 أكتوبر حتى ينهي مشكلاته المستمرة مع عارف فهيم كان خليفته رشدي الذي ورث كل عمله ، والثالث كان رمضان حمودة الذي يقع عليه عبء المهام الشاقة ودفع الرشاوي و تسويتها الخ.....، هذا الفريق كان يحب رشدي ان يطلق عليه فريق العمليات القذرة ، ومثلما كان الصراع دائرا بين المقاولين على التقرب لجودت كان صراعا مماثلا يدور بين الصغار من الموظفين ، لقد نجح جودت ان يجعل من نفسه محور تفكير كل هؤلاء مستغلا في ذلك أطماعهم في تحقيق المكاسب وجني بعض الثمار بينما أحتفظ لنفسه بالشجرة نفسها ، جودت كان لا يبين لأي موظف اهميته و لا حيوية دوره بالنسبة له فهذه قاعدة هامة و اذا ادرك أي موظف اهميته وتصرف بناءا على هذا فان جودت يضحي به على الفور لكن لا يتنازل ابدا امام موظف أو مقاول يلوي ذراعه ، لقد بلور جودت علاقته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق