الخميس، 11 يونيو 2009

دار المسنين


دار المسنين
بينما أنا جالس أمام المهندس جودت ليوقع بعض المستندات ، وبينما هو يفحصها بدقة ويناقشني فيها دق الهاتف ، توقف جودت عن الأستجواب ليرد كان المتصل والده ، بدا الرجل مضطربا جدا ومحرجا فصوت الأب كان عاليا وحادا و كلماته كانت قاسية ، حتى اني سمعت دون أرادة مني و منه فحوى المكالمة ، كان الأب في حالة نفسية سيئة وثائرا جدا على ابنه يتهمه بالجحود والعقوق وأهماله بعد ان وضعه في دار للمسنين ، سيل من الشتائم يهوي فوق رأسه بينما لسانه لا يردد ويكرر سوى كلمة حاضر يا بابا ، حاضر يا بابا ، أمتعق وجهه خجلا ، حاول جودت ان يحول بين الصوت وبين سماعي له لكن دون جدوى ، أنتهت المكالمة فجأة كان واضحا ان الرجل أغلق الخط في وجهه ، أستدعى جودت عبد الله العتر كبير السعاة وراح يصب عليه جام غضبه ، (ما روحتش ليه يا حيوان تحمي بابا) ، وقف عبد الله يسوق أعذارا تافهة في بلادة شديدة ، الواضح أنه يتهرب من هذه المهمة ، عبد الله رجل مادي جدا ويحب ان يقبض مقدما قبل القيام بأي عمل كما أنه شديد الكسل يتقن اصطناع الغباء و التخابث و أختلاق الحجج ، جودت كان يقطر على عبد الله ورفاقة وكثيرا من السعاة والسائقين و والخدم ، دائما يماطل في دفع مقابل هذه المهام الخاصة الخارجة عن نطاق الوظيفة بل في كثيرا من الأحيان لا يدفعها ويعتبرها جزءا من الوظيفة ، ومن ناحية أخرى يعرف أنها مهمة شاقة لأن والده عصبي و لا يكف عن سب العتر حتى يتنهي من حمامه ، والأب يشتم و يسب عبد الله في اريحية تامة لأنه يظن أن ابنه يدفع مقابل ذلك ، شخصية الأب العنيفة جدا هى سبب كل مشكلات جودت وهى سبب وضعه في هذه الدار ، فالأب قبل أن يذهب للدار كان يتشاجر يوميا مع نجوى ، أبوه يصرخ في وجهها وهى تصرخ في وجه جودت و جودت حائرا بينهما لا يدري ماذا يفعل ، حتى قرر الرجل ان يرحل من بيت ابنه ويذهب للدار ، وكان هذا من أسباب غضب جودت من زوجته واتهامه لها بالفشل في احتواء الرجل المسن ، الأب رجل عسكري يشعر بكبرياء و عظمة ويعتز بنفسه جدا ولا يقبل أن يكون مجرد كيان مهمل ، ينزوي وحيدا في ركن من المنزل يوضع له الطعام والشراب كجرو صغير لا يكلمه أحد ولا يجالسه احد ، طرد جودت عبد الله من المكتب بعد جدل عقيم واستأنف عمله معي بعد ان خلع عنه رداء العصبية وحاول ان يستعيد تركيزه ، في أخر اليوم استدعى جودت عبدالله مرة أخرى ثم تحدث له برفق ولين و أحترام وهو يستأذنه أن يمر على والده في الدار ليقضي له طلباته وان لا يغضبه و يتحمل عصبيته ثم اخرج من جيبه مبلغا من المال ليشتري للوالد بعض البقالة والعصائر والفاكهة يضعها بالثلاجة هناك ، وقف عبدالله يمرر يده على صلعته الكبيرة و هو يبتسم ابتسامة غبية جدا ، سأله جودت اذا كان يريد شيئا ، ألمح له عبد الله بالمواصلات ، تظاهر جودت بأنه نسي واعتذر لعبدالله بذوق شديد ثم أخرج من جيبه ورقة فئة عشرة جنيهات ، قبل أن يخرج عبد الله أخبره جودت أن يمر على المنزل لأن مدام نجوى اعدت له حقيبة من ملابس جودت وأحذيته التي لا يرتديها ، أنطلق عبد الله لمنزل المهندس جودت القريب من الشركة أولا ، التقط الحقيبة من الخادمة ليضمن حقه وسارع للذهاب لوالد المهندس جودت ، عبدالله وشقيقه أبو أحمد هما كائنات طفيلية علقت بحياة جودت و ألتصقت بها ليعملوا في خدمته داخل وخارج الشركة هو وأسرته وامه وأبيه ، لكن العلاقة بينهم كانت غريبة جدا فهم لم يحبوا جودت على الأطلاق وهو كذلك لا يحبهم ، غير ان كلاهما لا يستغنى عن الأخر ، أبو احمد ليس لديه عمل محدد ، عمل في الأمن بعض الوقت ثم أرسله جودت لعزبته في قليوب ليتابع الأرض ، كل حواراته مع جودت من منطلق انه يخاف على مصلحته وأن جودت يفرط في مصلحته ويتساهل كثيرا مع المستأجرين!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق