السبت، 9 أكتوبر 2010
Four Wives
Sweeten for people who misdoubt in Islam to emission the biting and critic narratives about Islam's enactment without enough study to reasons and the wisdom behind it, From this defamations what they mention about the numerousness of wives in Islam. In fact Islam doesn't invent that, but its appearing came in society knew the indeterminate plurality, So man was have his wife and own many of bondwomen too, In fact Islam want to definition this topic by limit the figure to four but Islam put two conditions for that happen, first Muslim must be fair among his wives ,Second he must have enough money for disbursement, But when Islam made numerousness warranted ,It was seek to achieve more fundamental arbiter for whether man and woman , For men Islam aim to protect them from illegal relationship outside marriage system ,Which lead to illegal children existing, destroy the family concept, convert the society to animals forest which thirst to do sex without responsibility , illnesses prevalence like Ides as a result for multi sexual relations, So that Islam guarantee the numerousness for men from legal source don't make them feel shame anastrophe with other way, When his wife suffer from salient, pregnant, chronic fatigue, period, What man should to do , whenever man face some troubles in his relation with his wife if her companionship is bad , and this troubles may lead to divorce but couple don't like to separate for their children , what man should to do, Islam gives him the right to second, third and fourth marriage too but in front of the society and in light , Islam doesn't abuse women because it gives them the same right to get separate when she feel hate towards her husband, this flexibility in Islamic marriage distinguish it comparing with the others, For women ,Islam find the practical solution for the maidens women, they became near to caducity without half soul,as known women growing rapid than men, so if they didn't married in specific stage their chances will be weak, Islam compose the numerousness as a grace for them , how because if the number of men are million and the number of women are four million so the million will marry with one million from women , what the other women should to do, when we count the serious men whom capable of married we will find them less than the grown women whose ready to married , In all beings we will find the males more than the females, therefore Islam save the marriage for them in case of exposure rub in marriage from virgin men, when the men number exceed the women number, But if Islam limit the marriage in one woman and the man or woman feel they are not comfort in their life the flexibility will create the balance between them ,he can married and keep his post married too, she can divorced or accept to life with another wife , he can divorced if he can't pay the expenditure for two women , why God didn't give women the right to marry with four husband in the same time ,Because if more than man do sex with one woman that will lead to many diseases and produce unknown derivation kids, But when one man do sex with four women all children produced from this marriages will be extract for him and known as his sons, that provoke us say Islam want to keep the parentage far away from juggle because that is what distinguish us from animals . ٍ
الخميس، 11 يونيو 2009
نجار سواقي
حين شاهدنا عبد الغني بلديات رمضان جالسين على مقهى البستان ، أقبل علينا بحفاوة غيرمعتادة ، وبدون مقدمات سحب كرسي داعيا نفسه للجلوس معنا ، كثيرا التقيت به هنا وعرفته عن طريق رمضان لكن لم يسبق لي أن عرفت عنه أكثر من أنه يكتب الشعر العامي ، عبد الغني هجر مهنته بالقرية في المنوفية وحمل أغراضه القليلة للقاهرة طامحا في ان يصبح واحد من شعراء العامية المعروفين في البلد ، يرى ان لديه موهبة لنظم الشعر العامي ينبغي الا تدفن في القرية بين السراق والفارة والمسامير ، كان يعمل في القرية نجار متخصص في صناعة السواقي و الطنابيرمع والده ، مهنة ورثتها الأسرة ابا عن جد ، لكن مع التطور التكنولوجي و انتشار ماكينة المياه ، أخذت المهنة في الأندثار و لم يعد احد يستخدم هذه الأدوات البدائية فضلا عن تآكل الرقعة الزارعية في القرية أمام زحف الخرسانة و عدم أقبال الفلاحين على حرفة الزراعة ، كذلك قلة المياه جعلت هذه الأدوات غير فعالة في الري فالمياه اصبحت عزيزة تحتاج الى ادوات ترفعها من العمق ، هكذا كان يبرر عبد الغني البتانوني لنا هجرته من القرية للقاهرة ، عبدالغني ليس معه اي مؤهل دراسي لكن ما اهمية الدراسة اذا كانت الموهبة موجودة طبقا لوجهة نظره فكم من متعلم لكن ليس لديه نفس الموهبة و لا يمكنه كتابة بيت شعر واحد ، و أسترسل عبدالغني في حديثه قائلا ، بعد أن كسدت هذه المهنة اتجه لصناعة الطبليات التي يأكل عليها الفلاحين ، لكن سكان القرية لن يشتروا كل يوم طبلية ، وهكذا وجد عبدالغني نفسه بلا عمل تقريبا ، كان اكثر ما يتميز به هو جرأته الشديدة على اقتحام هذا العالم و فرض وجوده على الساحة بدون أي اسلحة اللهم الا موهبته التي يباهي بها المتعلمين ، أيمانه بنفسه كان المفتاح الذي فتح له باب هذا المعترك ، مازال رمضان يشعر بالقلق من اقتحام عبد الغني لجلستنا فهو يعرفه جيدا ولابد أن يكون له هدف نهائي من ذلك ، سألته ان يقرأ علينا أخر ما كتب ، سارع عبد الغني على الفور وكأنه كان ينتظر هذه الفرصة فاخرج من حقيبته اخر دواوينه وراح يقرأ ، فغرت فاي ، أحملق فيه وقد لعبت الدهشة برأسي ، كان الكلام مبتذل وقميء للغاية لدرجة أنني لم أصدق انه منشور في كتاب يقرآه الناس لولا أني شاهدت ما يسمى بالديوان في يديه ، أحتفظت برأيي ولم أصدم الرجل لكن رمضان أطلق ضحكة صاخبة وأخذ يلسع عبد الغني بتعليقاته الساخرة ، عبد الغني لم يغضب فقد أعتاد أن يواجه ما هو اقسى من هذا بكثير ، لكنه ألقم رمضان حجرين في فمه فأخرسه ، الأول ان وزارة الثقافة قد اعطته منحة التفرغ لنشره ثلاثة دواوين ومنهم هذا الديوان البذيء الذي كان يقرأ منه من لحظات ، والحجر الثاني أن الجامعة الأمريكية أقامت له حفلة كبيرة كضيف شرف لها وكرمته تكريما خاصا بأعتباره شاعر عامية مميز!!!! نظر رمضان في ساعته متجاهلا ما قاله عبد الغني و كانه لم يسمعه ، تأكد الأخير انه نال من رمضان ولكي يكتمل أنتصاره أخبره بانه حاليا يكتب أغنيات عامية لبرنامج اطفال في الأذاعة ، قرر رمضان مغادرة المقهى فجأة ، أنتصب واقفا دون حتى ان يسألني ، كصاروخ أستعد للأنطلاق من فوره ، معتذرا لعبد الغني بحجة أن لديه موعد هام ، لحق عبد الغني بنا على ناصية الشارع وهو يقفز من فعل عاهة خلقية في قدمه ليلحقنا ، ثم عرض على رمضان شراء نسخة من ديـــــــوانه( لحم خفيف) رفض رمضان لكن بعد الحاح و رجاء من عبد الغني لأنه يريد شراء عشاء وليس معه نقود ، وافق رمضان ونفحه خمسة جنيهات ، سار معنا عبد الغني بعدها ممتنا حتى المطعم ثم صافحنا ودلف للداخل ، ، سرت مندهشا أضرب كفا بكف ، يكسو ملامحنا الشاخصة للأمام آهاب الصمت ، لكن صوتا مرتفعا في عقلي الباطن يتردد صداه في أذني أن عبد الغني وأمثاله ما هم سوى بثورا متقيحة على سطح حياتنا سرعان ما سوف تجف وتشفى ثم تنسى ولا يبقى لها أثر فهل كنت اواسي نفسي أم ان الزمان قد أختلف ، رمضان كان شاردا في الخمسة جنيهات التي احتال عليه بلدياته ليفوز بها من أجل وجبة ساخنة تدفىء جوفه الخاوي ، أخذ رمضان ينظر للديوان الذي لا يساوي ثمن ما خط به من مداد وقد أدرك سر بشاشة عبد الغني وملاقاته اياه بحفاوة ، واقباله على مجالستنا على الرغم من انه كثيرا ما رأنا ولم يكلف خاطره حتى ليلقي علينا السلام ، كان رمضان يتمتم بكلمات ساخطة ، اظنه كان يلوم نفسه ويجلدها بقسوة بعد أن رأى من امر عبدالغني ما لم يطيقه ، عبد الغني برغم انه لا شيء استطاع في وقت قصير ان يضع نفسه على الطريق ويفرض نفسه على الساحة برغم كل الصعوبات ، فماذا فعل هو منذ أن وطئت قدماه القاهرة لا شيء ، ما زال موزعا بين وظيفة مهينة وحلم يبدو بعيدا عن التحقق ، لقد اذهلنا فعلا نهر الثقة الدافق داخل جسد عبد الغني النحيل ، أنه مقاتل شرس ...ودعت رمضان وأفترقنا عند موقف الأتوبيس بميدان الفلكي حيث ركب اولا أتوبيس أمبابة ولحقته بعدها بلحظات فركبت أتوبيس الجيزة ، الأتوبيس مركبة لا تصلح للنوم رغم انه يلح في طلبي ، الأهتزازات العنيفة كألعاب الملاهي ألهمتني رغبة في القيء ولمباته المستطيلة بنورها الفاضح تخيف النوم من الأقتراب بالأضافة لأتساعه مثل صالات الأفراح ما يهتك شعوري بالخصوصية ، الناس فوق المقاعد و في الطرقة وعلى السلم ومنهم العالق بالباب ، يشكلون جميعا لوحة ضخمة ساخرة من التصاق الأجساد و أختلاط اللحم ، في أحدى الوقفات الأجبارية بمحاذاة اتوبيس سياحي فاخر أصطف السياح عبر النوافذ لتصوير هذه اللوحة القياسية وتسجيل المشهد النادر بالنسبة لهم بكاميرات الفيديو ، فهم لا يجدونه ألا في موسوعة جينيس للأرقام القياسية ، صفحة الأتوبيسات المصرية الخارقة !! أتوبيسنا يبدو كوحش أنقرض من اكلة البشر تتدلى الناس من بين انيابه ، ماموث طائش ، وقد امتلاءت معدته الشفافة وفمه المفتوح بوضوح ، الزحام الشديد أمام دار الأوبرا وشارع التحرير وشارع الدقي ثم شارع الجامعة يجبر السائق على أستخدام الفرامل كل عدة أمتار فيصدر الأتوبيس صوتا كأنه عملاقا يفسو ، كانت الساعة تشير الى الحادية عشر مساءا أستغرق المشوار للجيزة قرابة الساعة قبل ان أستقل ميكروباص أخر للبدرشين ، الميكروباص ناقلة افراد سريعة ومريحة ، لا أتخيل مصر بدون هذه السيارة ، فكيف كانت حياتنا تجري بدونها ، كأنني قد ولجت في قلب صومعة مظلمة ، تكومت خلف كرسي السائق في أنتظار اكتمال العدد ، لحقت بي الى جواري سيدة بدينة ثبتتني لصق الشرفة تماما ، المسافة طويلة الى هناك يضاعف من طولها الشعور بالنصب والصداع اللذان يطرقان رأسي طرقا ، عقلي مخفوق داخل وعاء رأسي الضيق ، يكاد يفور من حوافه الساخنة ، يعود النوم ثانية خلسة بوجه بشوش ، أغفاءات متماوجة تاتي وتروح في أنسيايبة مع هدهدة خفيفة لأختراع أسمه الميكروباص ، كأنها أرجوحة تدغدغ أعصابي القلقة ، عبد الغني البتانوني يظهر مرة أخرى على شاشة الذاكرة ، كيف واتته الجرأة على أن يصور هذه المشاهد الجنسية الهابطة ثم يطلق عليها ديوان شعر ، دائما أشبه المثقف بالنحلة التي لابد أن ترتقي الزهور البديعة حتى تنتج عسلا حلوا ، لكن هذا الشاعر الذبابة يبدو انه لا يحط سوى فوق القاذورات والفضلات والقمامة ثم يغوط تلك الجيف التي يدعوها شعرا ، موجات النوم تتسارع تتحول لنوة عاتية تبتلعني في غيبوبة طويلة.....السائق يناديني - أصحى يا استاذ ....الأخر ، وصلنا ، رفعت رأسي المندلق فوق صدري ، ثمة ريالة لزجة كثيفة أنسالت على قميصي من فمي الموارب أثناء النوم فبللته ، هذه عادتي السيئة كلما نمت ، قيل لي أنها من فعل بكتيريا بالمعدة بسبب ( الرمرمة ) على عربات الطعام المشردة في شوارع القاهرة ، نزلت متثاقلا اجمع عظامي مرة أخرى ، أسحب ساقاي الثقيلتان الى الشوارع الجانبية لأختصر طريقي للمنزل ، أفوت وسط أطباق طينية ملاءنة بمياه الصرف ، أكياس القمامة بلون الليل متراصة على الجانبين كأصص الزرع ، تتنادى فوقها قطتين بمواء ممطوط ، أحسبه مقدمة تفاوض على دعوى صريحة لممارسة الحب ، تبرق عيونهما في الظلام الحالك كومضات الرعد ، ثمة حريق قمامة يحتضر على مقربة ، ينفث دخانه الأخير كثيفا يتسلق الهواء و تعبأ رائحته الجو ، تلوح المنازل من بين العتمة كأنها شواهد القبور ، يحوطها سياجا عالي من الصمت ، ها أنذا بلغت البيت مكدودا ، أستبق روحي نحو السرير في غمرة شوق عاصف للنوم .
دار المسنين
بينما أنا جالس أمام المهندس جودت ليوقع بعض المستندات ، وبينما هو يفحصها بدقة ويناقشني فيها دق الهاتف ، توقف جودت عن الأستجواب ليرد كان المتصل والده ، بدا الرجل مضطربا جدا ومحرجا فصوت الأب كان عاليا وحادا و كلماته كانت قاسية ، حتى اني سمعت دون أرادة مني و منه فحوى المكالمة ، كان الأب في حالة نفسية سيئة وثائرا جدا على ابنه يتهمه بالجحود والعقوق وأهماله بعد ان وضعه في دار للمسنين ، سيل من الشتائم يهوي فوق رأسه بينما لسانه لا يردد ويكرر سوى كلمة حاضر يا بابا ، حاضر يا بابا ، أمتعق وجهه خجلا ، حاول جودت ان يحول بين الصوت وبين سماعي له لكن دون جدوى ، أنتهت المكالمة فجأة كان واضحا ان الرجل أغلق الخط في وجهه ، أستدعى جودت عبد الله العتر كبير السعاة وراح يصب عليه جام غضبه ، (ما روحتش ليه يا حيوان تحمي بابا) ، وقف عبد الله يسوق أعذارا تافهة في بلادة شديدة ، الواضح أنه يتهرب من هذه المهمة ، عبد الله رجل مادي جدا ويحب ان يقبض مقدما قبل القيام بأي عمل كما أنه شديد الكسل يتقن اصطناع الغباء و التخابث و أختلاق الحجج ، جودت كان يقطر على عبد الله ورفاقة وكثيرا من السعاة والسائقين و والخدم ، دائما يماطل في دفع مقابل هذه المهام الخاصة الخارجة عن نطاق الوظيفة بل في كثيرا من الأحيان لا يدفعها ويعتبرها جزءا من الوظيفة ، ومن ناحية أخرى يعرف أنها مهمة شاقة لأن والده عصبي و لا يكف عن سب العتر حتى يتنهي من حمامه ، والأب يشتم و يسب عبد الله في اريحية تامة لأنه يظن أن ابنه يدفع مقابل ذلك ، شخصية الأب العنيفة جدا هى سبب كل مشكلات جودت وهى سبب وضعه في هذه الدار ، فالأب قبل أن يذهب للدار كان يتشاجر يوميا مع نجوى ، أبوه يصرخ في وجهها وهى تصرخ في وجه جودت و جودت حائرا بينهما لا يدري ماذا يفعل ، حتى قرر الرجل ان يرحل من بيت ابنه ويذهب للدار ، وكان هذا من أسباب غضب جودت من زوجته واتهامه لها بالفشل في احتواء الرجل المسن ، الأب رجل عسكري يشعر بكبرياء و عظمة ويعتز بنفسه جدا ولا يقبل أن يكون مجرد كيان مهمل ، ينزوي وحيدا في ركن من المنزل يوضع له الطعام والشراب كجرو صغير لا يكلمه أحد ولا يجالسه احد ، طرد جودت عبد الله من المكتب بعد جدل عقيم واستأنف عمله معي بعد ان خلع عنه رداء العصبية وحاول ان يستعيد تركيزه ، في أخر اليوم استدعى جودت عبدالله مرة أخرى ثم تحدث له برفق ولين و أحترام وهو يستأذنه أن يمر على والده في الدار ليقضي له طلباته وان لا يغضبه و يتحمل عصبيته ثم اخرج من جيبه مبلغا من المال ليشتري للوالد بعض البقالة والعصائر والفاكهة يضعها بالثلاجة هناك ، وقف عبدالله يمرر يده على صلعته الكبيرة و هو يبتسم ابتسامة غبية جدا ، سأله جودت اذا كان يريد شيئا ، ألمح له عبد الله بالمواصلات ، تظاهر جودت بأنه نسي واعتذر لعبدالله بذوق شديد ثم أخرج من جيبه ورقة فئة عشرة جنيهات ، قبل أن يخرج عبد الله أخبره جودت أن يمر على المنزل لأن مدام نجوى اعدت له حقيبة من ملابس جودت وأحذيته التي لا يرتديها ، أنطلق عبد الله لمنزل المهندس جودت القريب من الشركة أولا ، التقط الحقيبة من الخادمة ليضمن حقه وسارع للذهاب لوالد المهندس جودت ، عبدالله وشقيقه أبو أحمد هما كائنات طفيلية علقت بحياة جودت و ألتصقت بها ليعملوا في خدمته داخل وخارج الشركة هو وأسرته وامه وأبيه ، لكن العلاقة بينهم كانت غريبة جدا فهم لم يحبوا جودت على الأطلاق وهو كذلك لا يحبهم ، غير ان كلاهما لا يستغنى عن الأخر ، أبو احمد ليس لديه عمل محدد ، عمل في الأمن بعض الوقت ثم أرسله جودت لعزبته في قليوب ليتابع الأرض ، كل حواراته مع جودت من منطلق انه يخاف على مصلحته وأن جودت يفرط في مصلحته ويتساهل كثيرا مع المستأجرين!!!
الوافد الجديد
فرغ جودت من جولة الصباح الرياضية في شوارع الزمالك التي كان عاشقا لها وللأقامة فيها ، كان فخورا انه من سكانها ويرى ان في ذلك رمزا للعز وتكريسا لشعوره الطبقى بالتميز والسمو ، حتى شركته الصغيرة كانت في شارع اسماعيل محمد بالزمالك ، و شركته الكبيرة تلك في شارع عزيز اباظة بالزمالك ايضا ، لا يحب الخروج منها كثيرا الا الساعات التي يجلس فيها بمركب القراصنة بالجيزة ثم يعود للزمالك ، صعد لشقته بعد جولة حول حديقة الأسماك القريبة من منزله، كانت الساعة الثامنة والنصف صباحا عندما دق هاتفه المحمول ، فزع جودت فالمتصل هو الدكتور اسماعيل شامل ، رد بنبرة متذللة (أيوة يا أفندم) رد الدكتور بكلمات مقتضبة وامره بالحضور له في الساعة الحادية عشر ثم أغلق الخط ، بدا القلق مسيطرا عليه لماذا يريده الرجل ، كثيرا ما ذهب بناءا على طلبه وجلس في انتظاره لساعات ثم يخرج مدير مكتبه ليقول له الدكتور لن يقابلك اليوم فالتأتي غدا ، كلما اتصل به الدكتور يظل يضرب اخماس في اسداس حتى تنتهي المقابلة ويعرف سببها أستعد جودت للميعاد ثم توجه لمكتب الدكتور متوجسا ، جلس عدة دقائق قبل أن يؤذن له بالدخول ، كان الدكتور يطالع بعض اللأوراق امامه ، لم يلتف الى جودت أو يرد عليه حين ألقى السلام، ظل جودت واقفا في شبه أنحناءة ، ثم طلب منه الجلوس وهو ما زال يقرأ الأوراق ، بقي الصمت حاكما للمكان قبل ان يغلق الدكتور الأوراق امامه و يعتدل في جلسته على الكرسي الوثير الضخم متراجعا للخلف ، يشعل سيجارا كبيرا ، وهو يخاطب جودت بهدوء متسائلا عن أخبار الشركة ، ويجيب جودت بكلمات قليلة و صوت مرتجف ، يلقي الدكتوراليه بملف يحوي أوراق شخص ما وهو يطلب منه أن يضيف هذا الشخص الى المساهمين بالشركة بنسبة معينة ، يبدي جودت دهشته بأدب شديد ويسال الدكتور هل سدد الرجل حصته ، أخبره الدكتور انه تلقى حصته نقدا وانه باع جزء من حصته لهذا الشخص مقابل مليون جنيه ، ثم قام الدكتور واقفا في اشارة لأنهاء المقابلة ، نهض جودت بسرعة ومد يده منحنيا ليصافح الدكتور ثم اخذ الأوراق لكنه قبل ان يخرج أخبره الدكتور ان المساهم الجديد مهندس سوف يعمل بالشركة بمرتب بالأضافة لمساهمته وعليه ان يضعه في مكانة ملائمة ، خرج جودت ترجرجه الحيرة وينغصه القلق فما سبب هذه الخطوة وهل وصل للدكتور اي شيء سيء عن جودت ، هل الدكتور يحاول ان يوجد بديلا له ليتخلص منه ، أسئلة كثيرة تنهش في عقله بشراهة ، فهو يعلم ان الدكتور مزاجي و متقلب ومثله من الممكن أن يفعل اي شيء في اي وقت مع اي أنسان مهما كان ، اتصل جودت بمنصور جريشة و طلب منه مقابلته فورا ، أتفق الأثنين على اللقاء في منزل منصور على الغداء ، وحول سفرة عامرة بالأطباق التي يحبها جودت وعلى رأسها كشك الألماظية وصينية القرع العسلي وقفت زوجة منصور ترتب الطعام بينما جلس الأثنين على مقربة منها يتهامسا ، كان منصور يحاول أن يطمئن صديقه ويدعوه لعدم الأستعجال في تخمين مغزى هذه الخطوة وأنها ليست بالضرورة موجهة ضده ، قطعت الزوجة كلامهما ليتناولا الطعام ، جلس جودت شاردا رغم أن طعامه المفضل يناديه برائحة شهية لا تخطئها حواسه ، غير أن خاطره ملبد بمفاجئة الدكتور ، ولا سبيل الا انتظار ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة .. حاول جودت و هو يقلب الأوراق التي اعطاها له الدكتور أن يفهم أي شيء من بين السطور ، الرجل اسمه المهندس طاهر صابر يصغر جودت بسنوات قليلة ، لكنه لم يستطيع ان يستشف أي شيء من الأوراق ، في اليوم التالي حضر المهندس طاهر صابر لمقابلة جودت واستلام عمله الجديد ، قابله جودت بحرارة شديدة وحفاوة و دار بينهما حديث ودي حرص جودت ان يبدو لطيفا ومريحا كعادته في بداية كل تعارف ، فسأله عن المكان الذي يحب ان يعمل به ، هرب طاهر من السؤال ولم يحدد شيئا ، كان كثيرا ما يستخدم مصطلحات انجليزية ويحاول الحديث عن امور بعيدة عن العمل ، انتهت المقابلة دون ان يعرف جودت اي شيء غير انه عرف طاهر على المكان في جولة سريعة وعلى الموظفين في كل أدارة ثم ارشده لمكتبه ، طلب طاهر مهلة للتعرف على الشركة جيدا ، في اليوم التالي احضر معه حقائب كثيرة مملوءة بالكتب في مجالات مختلفة زين بها مكتبه ، ثم بدأ يمارس مهام عمله فاخذ يطلب بيانات و معلومات من الأدارات المختلفة ، ظل جودت يتابعه من بعيد و أعطى تعليمات بأن تجاب كل طلباته وأن يأخذ كل ما يحتاج ، بعد عدة أيام بدأ أمر طاهر ينكشف شيئا فشيء من خلال أسئلته وتعليقاته على الأوراق والبيانات التي طلبها ومناقشته لها مع المهندس جودت و خاصة ما يتعلق منها بتخصصه و عمله كمهندس ، جودت كان رجل محظوظ لدرجة ان الحظ يلاحقه في كل شيء ، حتى في الموظفين الذين يعملوا عنده و حتى الشركاء ، الدنيا كانت لا تزال مقبلة عليه بكل بهاءها و كلما سارت الأمور على هذا النحو كلما أزداد هو جبروت و غرور ، تبين له أن طاهر هذا ابيض تماما في كل شيء ، لا يعرف شيئا عن الادارة ولا عن الشركات وأخر شيء يمكن ان يفهم فيه المهندس طاهر هى الهندسة ، أقصى ما يعرفه بضعة مصطلحات أنجليزية جوفاء ، يمكن ان تتحدث معه في موضوع لتجده شرد بعد لحظات وذهب بعيدا جدا ولا يعود الا عندما تشرف على الأنتهاء من الكلام ليطلب منك الأعادة مرة ثانية ، أسئلة طاهر ومناقشاته و أستفساراته التي كان يحشدها لجودت أظهرت ان الرجل هو اي شيء اخر غير ان يكون مهندسا ، طاهر صابر والده مستشار كبير بالقضاء وشخصية مرموقة في المجتمع تجمعه صداقة بالدكتور اسماعيل شامل ليس له اولاد سوى طاهر الذي أحتار فيه ، طاهر لم يصلح في أي عمل تم الحاقه به ، فهو انسان مرفه جدا يعتمد على غنى والده وثروته ، يذهب للعمل كل يوم بعد الظهر لأنه يسهر حتى الفجر في الملاهي والكازينوهات يحتسي الخمر والسجائر الملغمة بالحشيش من اجود الأنواع ورغم انه متزوج وله اولاد ، غير أن له العديد من العلاقات النسائية مع رواد هذه الأماكن واللأئي كن يجدن فيه صيدا ثمينا ، معلوماته ضحلة جدا وخبرته صفر كبير ، لم يحاول أن يتعلم أو يكتسب اي مهارة ، تعب الوالد كثيرا من أبنه فكل شركة يعينه بها يتم الأستغناء عن خدماته قبل ان يكمل فيها شهرا ، تأكد الرجل بخبرته أن أبنه لن يصلح موظفا في أي مكان بسبب سلوكياته الغير محسوبة ، كذلك لا يستطيع ان يؤسس له مشروع خاص لأن شخصيته لن تصلح أيضا في ذلك وسوف تكون النتيجة المتوقعة ضياع المال هباءا ، كان الحل أن يستفيد الرجل من علاقاته برجال الأعمال الناجحين في ان يدخل ابنه شريك مع أحدهم ، حتى يعمل في الشركة بصفته مساهم و موظف في نفس الوقت اي يعمل (بفلوسه) ، فطلب الرجل من الدكتور اسماعيل شامل أن يقبل ابنه طاهر شريكا بأحدى شركاته و أن يعلمه أصول البزنس ، الرجل في قرارة نفسه كان يشعر بالحسرة ويعلم ان ابنه لن يستمر ولن يصلح ، في كل مرة يعده طاهر بانه سوف يكون عند حسن ظنه ولن يخيب امله فيه لكنه لا يستطيع ان يلتزم أكثر من عدة أيام ثم ينهار امام أحتياجاته المزاجية و يستسلم لهذه الرغبات فيضحي بكل شيء ، أستغل جودت الوافد الجديد الذي قدمه له الدكتور على طبق من فضة ، فقرر أغراقه في مسئولية العمل لتركيعه و السيطرة عليه لأنه من المؤكد سوف يخفق و تهرب الأمور من بين يديه لعدم الخبرة و حين يرسب كما هو متوقع يكون ضعيفا امام جودت يحركه على هواه ، لقد قضت المكيفات على عقل طاهر تماما فلا يفيق الا من أجل ان يعود لغيبوبته مرة ثانية ، كثيرا ما كان يغلق عليه مكتبه من الداخل ويغط في نوم عميق ، و أكتشف الجميع ذلك حين طرق عليه طلعت الساعي الباب ومعه القهوة فلم يرد ، ظن طلعت انه اغمى عليه فكسر الباب بعد تجمع الموظفين امام المكتب ليكتشف انه راح في اغفاءة طويلة وبعيدة وقد افترش المكتب متوسدا يده كشحاذ معدم !! حاول طاهر التقرب لشلة الانس لكنه وجد نفسه سوف يكون (بهلول) السهرة ، كان يذهب كل ليلة لمركب القراصنة فتتساقط عليه التعليقات الساخرة من كل فم ولا يستطيع الرد سوى بأبتسامته البلهاء ، جودت لم يكن يسخر منه مثلهم لكنه كان يحب مشاهدة طاهر وهو يبدو كجرذ محاصر تتداعى عليه اظفارهم الشبقة لفريسة يتقاذفوا اشلائها الممزقة فيما بينهم قبل ألتهامها وقد سال لعابهم على لون دمائها القاني ، ولم تفلح محاولاته لان يكون واحد منهم فلم يتعاملوا معه معاملة الند ابدا حتى هجر هذه الأجتماعات ، أشتهر المهندس طاهر في كل الشركة بانه رجل بركة وليس له دور أو سلطات أو مسئوليات ، لكن له احترامه بأعتباره مساهم و صاحب ملك يعمل بفلوسه ، تحول لعجينة مرنة في يد جودت ، ووضع نفسه تحت تصرفه حتى يستمر في الشركة اطول وقت ممكن ، كان دوره ينحصر في التوقيع على كل شيء وأي شيء يأمره جودت بالتوقيع عليه بدون أعتراض ، كل ما يهمه ان يحصل على مرتبه لينفقه في ايام قليلة ، ويوم سافر جودت لبطولة فروسية بصحبة ابنه ، أخذ طاهر فرصة ذهبية لتحمل المسئولية والأدارة ، لكنه اضاع الفرصة دون اكتراث ، فقد أستدعاه الدكتور اسماعيل ليعطيه شيك تمويل للشركة لحين عودة جودت ، فوجيء الدكتور ان طاهر انزعج جدا ورفض ان يأخذ الدفعة ، استاذن الدكتور ان يعطي الشيك لعارف فهيم المدير المالي بدلا منه ، استمر طاهر على هذا الوضع حتى تحول تدريجيا الى مجرد شيء في الشركة ليس له وجود أو معنى وبدأ يغيب عن العمل ايام كثيرة ، ثم ياخذ عهدة مبالغ صغيرة لينجز بها بعض الأعمال المحددة ، فيكتشف جودت انه صرف النقود ولم ينفذ ما طلب منه ، دب بينهما خلاف كبير حين طلب طاهر سلفة شخصية كبيرة تخصم من المرتب لشراء سيارة ، رفض جودت نهائيا ، وطالبه يسدد أولا الأموال التي حصل عليها وصرفها ، تهور طاهر عليه و كاد ان يشتبك معه في مكتبه لولا تدخل الموظفين لكنه تطاول عليه بالسباب وقبل ان يهم جودت أن يضربه ، دخل منصور جريشة الذي كان مارا بالصدفة أثناء المشاجرة و تمكن من السيطرة عليه ثم أغلق المكتب على ثلاثتهم ، حينئذ تحدث جودت اليه وواجهه بحقيقته المرة وكيف أنه لا يصلح لأي شيء ، وأنه عالة على الشركة ولا يفيدها بما يحصل عليه من مرتب ، كانت جلسة قاتلة بالنسبة لطاهر تعرى فيها أمام نفسه بصورة جعلته يغادر الشركة بعدها متوجها لمكتب الدكتور اسماعيل شامل ، وفور وصوله زعق جرس الهاتف بمكتب المهندس جودت ، كان مدير مكتب الدكتور يخبره بحضور طاهر يطلب مقابلة الدكتور ، شكره جودت بكبرياء فقد كان الرجل يحصل على مرتب شهري كبير من أجل هذه المهمة فقط ، اخبار جودت عن كل من يأتي من الشركة يطلب مقابلة الدكتور ، طلب طاهر مقابلة الدكتور وبعد أن دخل لم يعرف ماذا يقول كان مرتبكا و غاضبا ، لاحظ الدكتورأنه مشوش ومهزوز ولم يفهم منه شيئا فنصحه ان يعود لبيته يستريح ويأتي له في وقت أخر ، لم يقبل طاهر ان يخرج خالي الوفاض ، جمع شتات أعصابه المبعثرة وهو يتهم جودت بالسرقة ، قال للدكتور ان جودت رجل حرامي يسرقه مستخدما في ذلك مقاولين أصدقاء له وانه اقترح عليه تغيير هؤلاء فرفض وانه مستبد في أدارة الشركة ولا يريد أن يشترك معه احد في ذلك ، طاهر كان يتحدث بدون تفكير ، كان يقول ما يتبادر لذهنه لحظيا كالأطفال فهو يردد كلاما مرسلا سمعه من اشخاص كثيرين في الشركة بدون أثبات يهمس به البعض هنا وهناك ، زاد من ارتباكه حين سأله الدكتور عن الدليل على ذلك ، لم يجد طاهر ما يقوله سوى ان الشركة كلها تعلم ذلك ، ساعتها بدا وكأنه جسم زجاجي هش سقط على ارض رخامية هشمته الى فتات صغيرة ، تفوح رائحة الصمت في الغرفة ، طاهر يقف كطفل باكي جاء يشكو طفلا أكبر منه سلبه لعبته بعد أن أوسعه ضربا ، هكذا كان يراه الدكتور اسماعيل وهو يحملق فيه بهدوء ، نظرات الدكتور الغائرة وتعليقاته الرصينة المحيطة بالموقف تدل على ان الرجل قد فقد الأحساس بالدهشة ، فالموقف متكرر في كل شركاته ، لم يخيب طاهر من جديد أمل ابوه فيه لكنه أيضا أراق امال كثير من موظفي الشركة الذين راهنوا عليه ووضعوه في مقارنة ظالمة بينه وبين جودت ، فكيف يقارن طائر نورس كسيح ومهيض الجناح بصقر مشرعة اجنحته في السماء ، كنت واحدا من الذين راهنوا على طاهر واملوا في أن يغير هذه الشركة ، ترى هل كنت أأمل فعلا في التغيير أم كنت أمل في ان ينتصر طاهر لأنه سهل الأنقياد ويمكن أن يكون دمية والعوبة سهلة في أيدينا نحن صغار الموظفين لنحقق مكاسبنا الشخصية ، اما جودت فلا امل لنا فيه ، فهو الذي يتلاعب بنا دوما ، كان يناديني دائما( أبو الرشد)، و يمنحنا كثير من النقود أنا وفؤاد على سبيل الهبة التي لا ترد بمجرد ان نسوق له أي حجة واهية ، جاء والده للدكتور اسماعيل ينوء ظهره الوهن بخيبة ابنه الثقيلة ، يعتذر للدكتور عن أفعال ابنه وتصرفاته في خجل لكن الدكتور يربت على كتفه في أخوية ملفقا للموقف ابتسامة خاطفة ، تخفف عن الرجل معاناته وصدمته, الدكتور أسماعيل ليس من عادته الشعور بالرثاء لأحد ، لكنه شعر بالشفقة من أجل والد طاهر ، شعر بحسرة الرجل بشعور الأب حين تفسد ثمرة عمره ، ثم أخذ الرجل نقوده ورحل ليكرر التجربة في شركات أخرى ، مع اناس اخرين غير يائس وطاهر أيضا لا ييأس من أن يفعل الشيء نفسه كل مرة . ، رغم أرتيابه في طاهر استدعى الدكتور المهندس جودت ليواجهه بما حدث ويستوضح منه الأمر ، وأستطاع جودت أن يدحض كل أتهامات طاهر ويؤكد صورته الحقيقية امام الدكتور ، كانت هذه هى المرة الأولى التي يحاول فيها أحد تشويه صورة جودت أمام الدكتور ، لكنها بالتأكيد لم تكن الأخيرة .
أنثى
حضرت في يوم عملها الأول ترفل في رداء خلاب ، والدها يعرف شقيق عارف فهيم فتوسط لها عنده لتعمل ، حسناء انسانة وديعة ورقيقة وخجولة جدا طيبة القلب ومسالمة ، رأيت في وجودها انيسا من وحشة هذا المكان وسلوى لشعوري بالأغتراب وسط هذه الرفقة وعلى رأسهم الأستاذ عارف ، لم يكن قد مضى على تعييني أسبوع ، كرهت خلاله المكان برمته و أعتراني أكتئاب شديد ، شعر كلانا بالأرتياح للأخر ، حسناء ايضا كانت في حاجة لمن يؤلفها على المكان ، وجد كل منا حاجته النفسية لدى الثاني ، كنا كالأفراخ التي خرجت للتو الى الدنيا الكبيرة تشعر ببرودة الحياة الواسعة ، مازالت أقدمنا لا تقوى على حمل اجسانا الرقيقة ، يعجز الزغب الأصفر أن يحمي هذه الأجسام الضعيفة فلا نجد بدا من أن يذوب كلانا في رفيقه ليستدفء به و يصطلي بانفاسه الساخنة ، حسناء حلوة المعشر لها ضحكة عفوية قوية و بريئة ، أننا نعرف بعضنا البعض من زمن بعيد جدا ، هكذا كان ثمة شعور طاغي يغلفنا ، تمت خطبتها قبل ان تتسلم العمل بأيام ولولا ذلك لأخذت علاقتنا منحنى اخر ، شكلنا معا فريقا منسجما جدا في العمل ، أصبحت النظرات هى لغة الحوار والتفاهم بيننا فمجرد تبادل النظرات في موقف ما يعرف كل منا ما عليه فعله ، هذا التقارب كان مصدر أزعاج شديد لعارف فيهم ، فهو أيضا لم يحب حسناء لأنها كانت تشعره بنفورها المستديم من اسلوبه في التعامل معها ، بل كانت تتحول لقطة شرسة تهاجمه حين يقسو عليها ، هى أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، يسعدها أن تنقاد للرجل و تمتثل لطاعته في غير معارضة ، تحب ان تركن لمن سكنت جوارحها اليه و تعود له في كل الأمور بغير حرج ، انفها المنمنم يرسل زخات باردة من عبير انفاسها الطيب الرطب ، أشعر بها كلما أقتربت مني كظل شجرة وارفة الأغصان لتناصحني وتهمس الي بكلماتها المهمومة بخلافاتي المستمرة مع عارف فهيم ، كانت تخاف علي من هذا الرجل خوف الأم على رضيعها ، أذكر يوم أن جلسنا متقابلين بمكتب المهندس جودت حين كان يراجع معها حسابات البنوك ويراجع معي حسابه الشخصي ، بينما يتفحص الأوراق والأرقام كنت مشغولا عن الوجود اطارد غمازتين يظهرا ويختفيا على وجنتيها كلما سكنت ملامحها البريئة أو أبتسمت ، غاصت عيناي بين ثنايا وجهها العربي بلونه القمحي و تفاصيله المصرية الخاصة ، سبحت نظراتي على صفحة هذا الوجه الرائق ، سرى في جسدي خدر من نوع لم أعهده من قبل ، حين رفع المهندس جودت رأسه فجأة فوجدني مسبلا وغارقا في هيامي زجرني قائلا :-
- أنتى يا بني مالك كده عامل زي ما تكون مش لاقي حد تحبه
- فين الحساب !
تحول وجهي لكتلة حمراء ، لصقت ابتسامة خجلة على شفتي أستر بها ما تعرى من احاسيسي المكبوتة و أنا اقلب في اوراقي التي ماعدت أري فيها سطرا ، كلماته ليس لها معنى ، وفي نفس الوقت لها معاني كثيرة ، فهل يتربص الأنسان بالحب ويترصد له ، كيف يكون ذلك حبا أذن اذا كان موجها بهذا الشكل ، أم أن الحب كالموت يأتي بغتة ، ربما لم يقصد ما قال و ربما خانه التعبير ، المهم أنه احرجني جدا ، كانت عيناها النجلاوين تفرج بين الحين والأخر عن بعض مشاعرها السجينة المكبلة بحزام العفة ، تهفو ناحيتي تحتويني ، مشاعر خرساء أشعر بها تلفني لكني ابدا غير قادر على لمسها ، دائما كانت جلستنا متقابلة حتى المكتبين في القسم كانا كذلك ، اذكر يوم أن دخل سامي الأمير القسم فوجد على مكتبها نتيجة العام ، مكتوب عليها في الجهة المقابلة لي (تهادوا تحابوا) فقال مداعبا لنا انها تضع هذه العبارة أمامي حتى اهاديها فنتحابب ، ذابت بعدها وصار وجهها الصبوح بلون الفراولة وهى تتحاشى النظر ناحيتي فتنظر عند قدمها دون أن تنطق ، مضرجة في بحيرة من الخجل ، ويوم أن أطاح بي الأستاذ عارف فهيم من الأدارة المالية بعد ان ضاق بعلاقتي بالمهندس جودت و نفاني الى مشروعات الساحل الشمالي ، كنت أهفو الى العودة الشهرية للأدارة ، أغترف بنظراتي الواثبة لقطات متنوعة من وجهها الحالم ، اختزنها في جيوب عقلي ، يتقوت عليها القلب في أوقات الأغتراب ، حين تجترها الذاكرة في مواساة وتعرضها في حفلات مسائية خاصة ، ويوم ان تزوجت فغابت في اجازة الأيام الأولى ، غابت معها كل ألوان الفرحة وبدا الكون قاتما في لون واحد ، صرت روحا حيرى هابئة تائهة قد اضناها البحث وذوبتها أشواق العودة للجسد الذي أقتلعت منه ، لتنبعث الحياة في كلايهما من جديد ، عاودني رهاب البعاد هل تعود أم أن الحلم قد أنتهى ، و في زيارة التهنئة الجماعية وجدتني دون وعي مني ، أأمر زوجها في عجرفة بسرعة عودتها للعمل ، ثم تنبهت لحماقتي فأردفت قائلا بأبتسامة مقتضبة : دي رسالة لك من الأستاذ عارف وبعد اذنك طبعا !! وعادت ولكن غير ما ذهبت ، و لا عدت انا كما كنت ، دون اتفاق منا تبدلت مشاعرنا في صمت ، فأنا في كل مكان احتاج الى أم .
بالواسطة
بعد نجاح رمضان حسونة في القيام بدوره واثبات وجوده ، عمد منصور على امداد جودت بأخرين ليعملوا معه ، كان يعتبر انه يقدم بذلك خدمات لصديقه جودت و أن له موهبة في أختيار الموظفين يوظفها لصالح صديقه ، محاولا ان يملأ الأماكن الشاغرة حول جودت باشخاص من طرفه ، وفي جلسة مسائية بالمركب (القراصنة) حضر منصور برفقته صديقه سامي الأمير وبعد التعارف وتبادل المجاملات بين جودت وسامي أخبره منصور ان سامي هو المدير الأداري الذي سبق وحدثه عنه ، سامي الأمير رجل وسيم جدا وطويل القامة يشبه في هيئته وطوله وبنيانه القوي الشخصيات العامة خاصة في زيه الرسمي ، أحتل الصلع مساحة كبيرة من رأسه ، متحدث لبق يجيد العلاقات العامة وبعد نصف ساعة بدا وكأنه يعرف جودت منذ زمن طويل ، لم يعجب خبر تعيين سامي مدير اداري الكثيرين ومنهم رمضان الذي سوف يكون تابعا له ، فلقد أقتنع جودت برأي منصور في أن الشركة تنمو وتحتاج لواجهة في التعامل مع المصالح والجهات المختلفة ، سامي كان رجل هوائي يعتمد على الشكل والمظهر الخارجي و علاقاته الكثيرة في تسويق نفسه و هذه الوظيفة نجح في الحصول عليها من خلال علاقته بمنصور بينما امكانياته الشخصية في العمل كانت متواضعة جدا ، ليس له في الحياة اي مبدأ فهو نذل حتى النخاع لا يستقر في مكان ولا يستمر في عمل ، هدفه الأول جمع المال بدون مجهود لذلك تزوج من طليقته العربية طمعا في مالها ثم تخلصت منه بعد ان أدركت نيته لكن كان هناك طفل ثم تزوج من أخرى وهكذا، حاول أن يسيطر على رمضان ويستغله لكن رمضان لفظه بعنف مما زرع بينهما حالة من الكراهية والصراع المتصاعد انتهت بأعتداء سامي على رمضان بالحذاء في احدى سهرات العمل أمام جمهرة من الموظفين والمقاولين و في حضور جودت نفسه ، أستاء جودت جدا من تصرفات سامي وبدأ يضيق به خاصة وان سامي كان كثير التمارض ودخول المستشفى واجراء العمليات مما جعله يتخلف كثيرا عن العمل ، لقد أنفق كثيرا من شبابه على ملذات الحياة وملاهيها من الخمور والمخدرات و النساء منذ ان كان بالجامعة وبدون توقف وحين بلغ الخمسين من عمره بدأ يدفع فاتورة ذلك دفعة واحدة ، تعالت الأصوات داخل الشركة معترضة على هذا الوضع فالرجل يقضي نصف الشهر بالمستشفى و كأنه أدخر كل الفحوص والعمليات حتى يعين بهذه الشركة بينما يحصل على مرتبه كاملا وفي بعض الأحيان يمكث شهرا كاملا ، صدى الأحتقان كان يصل لجودت عبر موصلات جيدة ، عارف فهيم كان حانقا على هذا الوضع فهو يقوم بكل العمل الأداري والمالي في غياب سامي بينما سامي يحصل على مرتبه كاملا وهو طريح الفراش ، قرر جودت الأستغناء عن خدماته لكن بعد تدخل منصور عدل عن ذلك بنقله للمصنع الجديد بـ6 اكتوبر كمسئول مبيعات ، خرج سامي و تسلم عمله الجديد بالمصنع و علم بما فعله وقاله عارف فهيم في غيابه وهو مريض فاصر على أن يرد له الصاع صاعين ، مضت ايام عدة ثم جاء رجل الى الشركة مبكرا جدا يطلب مقابلة المهندس جودت لم يكن احد موجود سوى عارف فهيم ، أدخلته السكرتيرة لعارف ، أقنعه الرجل انه مسئول مهم بأحد سلسلة السوبر ماركت الكبيرة بالبلد و أسمه عادل الشاعر وان المهندس جودت كان قد كلفه بأحضار نوع معين من الزبد الأمريكي المستورد لوالدته ، وأن الشحنة وصلت لتوها من الولايات المتحدة وقام الشاعر بالأحتفاظ بكمية للمهندس جودت يريد ان يسلمها له ، لكنه غير موجود بينما عادل الشاعر في عجالة من أمره ولابد من تسليمها الأن ، في البداية أشار عليه فهيم بالأتصال به من السكرتارية ، خرج الرجل امسك بالهاتف وتظاهر بالأتصال ثم عاد وقال له انه لا يرد ، و بعد حوار ودي جدا مع الأستاذ عارف تبين فيه أن الرجل على دراية جيدة بمدينة البدرشين وعائلاتها و بمجموعة شركات الدتور شامل وقدامى الموظفين بها ، شعر عارف بألفة و اطمئنان نجح الرجل ان يدخلهما عليه ، ثم أستأذن وهم بالأنصراف ، لحق به عارف فهيم عند مدخل الشركة بعد أن قرر ان يستلم العبوات مجاملة للمهندس جودت و ليكسب معرفة هذا الرجل ، فاجأه الشاعر ان العبوات ليست معه لكنها في مخزن مبرد على مقربة حتى لا تفسد ، لم يستطع الحدق التراجع فقد قرر ان يفعل ذلك وتخيل أن جودت سوف يمتن كثيرا لتصرفه هذا خاصة وانها لوالدته ، طلب عارف من أثنين من السعاة الذهاب مع الرجل لأحضار الزبدة ، ثم همس للرجل مستفسرا عن القيمة فأخبره انها ألف وخمسمائة جنيها ، عد عارف المبلغ جيدا من جيبه الخاص قبل ان يعطيه لعادل الشاعر ، كان محرك سيارة الشاعر دائرا ، علل الشاعر للسعاة ذلك بان البطارية بها مشكلة ، ظل الرجل يسير في شوارع كثيرة وجانبية يتحدث مع السعاة على انه سوف يمنحهما اكرامية كبيرة عندما يصل ، ثم طلب منهما النزول امام محل مغلق و أستأذنهما دقائق حتى يذهب يحضر المفاتيح ، نزل الأثنين ووقفا ساعة ، ساعتين ، ثلاثة ، أستبد القلق بعارف وجن جنونه ، يدخل ويخرج للمكتب في هيستيريا غريبة ، اتصل بالمهندس جودت يسأله عن أمر هذا الرجل ، كانت المفاجأة أن جودت لا يعرف شيئا عن هذا الأمر و ان والدته لا تحب الزبدة وبالذات الأمريكية لأنها شديدة الدسم!!!!!!! انهار عارف الحدق تماما و أغلق عليه مكتبه ، ابتلع الموقف حتى لا يضحك عليه الشركة ، جاء السعاة وقد انهكهما الأنتظار ، ادخلهما عارف و أغلق المكتب ليعرف منهما القصة ، نفى عارف بعد ذلك أن يكون قد دفع مقابلا للرجل حتى لا يتهم بالسذاجة التي لا تليق بمدير مالي محنك مثله، لم يكن المبلغ الذي دفعه الحدق هو الذي ألمه فقد تعرض لمثل هذه الأمور كثيرا ، لكن الموقف نفسه كان مهينا جدا له ، فمعلومات الرجل التفصيلية ودراسته الجيدة لشخصية الحدق وحسابه لردود أفعاله كانت مذهلة وكان واضحا ان أحدا قد أعطاه كل المعلومات اللازمة لأتمام المهمة بنجاح ، حار تفكيره في تحديد الفاعل الحقيقي لكن دون جدوى وبالطبع كان جودت اول المتهمين في نظره ، حاول فهيم ان يلقي باللأئمة على السكرتيرة لأنها ادخلته له ثم حاول أن يلقي بها على حسناء لأنها حضرت المقابلة في مكتبه ، كان يحاول أن يلقي بالمسئولية على شخص اخر غيره ،وفي الجلسة المسائية تحلق الخمسة الكبار مع المهندس جودت و سامي الأمير على مائدة مستديرة ووليمة كوميدية دسمة جدا يتوسطها عارف فهيم الحدق مدهونا بالزبدة الأمريكية !!!
بعد نجاح رمضان حسونة في القيام بدوره واثبات وجوده ، عمد منصور على امداد جودت بأخرين ليعملوا معه ، كان يعتبر انه يقدم بذلك خدمات لصديقه جودت و أن له موهبة في أختيار الموظفين يوظفها لصالح صديقه ، محاولا ان يملأ الأماكن الشاغرة حول جودت باشخاص من طرفه ، وفي جلسة مسائية بالمركب (القراصنة) حضر منصور برفقته صديقه سامي الأمير وبعد التعارف وتبادل المجاملات بين جودت وسامي أخبره منصور ان سامي هو المدير الأداري الذي سبق وحدثه عنه ، سامي الأمير رجل وسيم جدا وطويل القامة يشبه في هيئته وطوله وبنيانه القوي الشخصيات العامة خاصة في زيه الرسمي ، أحتل الصلع مساحة كبيرة من رأسه ، متحدث لبق يجيد العلاقات العامة وبعد نصف ساعة بدا وكأنه يعرف جودت منذ زمن طويل ، لم يعجب خبر تعيين سامي مدير اداري الكثيرين ومنهم رمضان الذي سوف يكون تابعا له ، فلقد أقتنع جودت برأي منصور في أن الشركة تنمو وتحتاج لواجهة في التعامل مع المصالح والجهات المختلفة ، سامي كان رجل هوائي يعتمد على الشكل والمظهر الخارجي و علاقاته الكثيرة في تسويق نفسه و هذه الوظيفة نجح في الحصول عليها من خلال علاقته بمنصور بينما امكانياته الشخصية في العمل كانت متواضعة جدا ، ليس له في الحياة اي مبدأ فهو نذل حتى النخاع لا يستقر في مكان ولا يستمر في عمل ، هدفه الأول جمع المال بدون مجهود لذلك تزوج من طليقته العربية طمعا في مالها ثم تخلصت منه بعد ان أدركت نيته لكن كان هناك طفل ثم تزوج من أخرى وهكذا، حاول أن يسيطر على رمضان ويستغله لكن رمضان لفظه بعنف مما زرع بينهما حالة من الكراهية والصراع المتصاعد انتهت بأعتداء سامي على رمضان بالحذاء في احدى سهرات العمل أمام جمهرة من الموظفين والمقاولين و في حضور جودت نفسه ، أستاء جودت جدا من تصرفات سامي وبدأ يضيق به خاصة وان سامي كان كثير التمارض ودخول المستشفى واجراء العمليات مما جعله يتخلف كثيرا عن العمل ، لقد أنفق كثيرا من شبابه على ملذات الحياة وملاهيها من الخمور والمخدرات و النساء منذ ان كان بالجامعة وبدون توقف وحين بلغ الخمسين من عمره بدأ يدفع فاتورة ذلك دفعة واحدة ، تعالت الأصوات داخل الشركة معترضة على هذا الوضع فالرجل يقضي نصف الشهر بالمستشفى و كأنه أدخر كل الفحوص والعمليات حتى يعين بهذه الشركة بينما يحصل على مرتبه كاملا وفي بعض الأحيان يمكث شهرا كاملا ، صدى الأحتقان كان يصل لجودت عبر موصلات جيدة ، عارف فهيم كان حانقا على هذا الوضع فهو يقوم بكل العمل الأداري والمالي في غياب سامي بينما سامي يحصل على مرتبه كاملا وهو طريح الفراش ، قرر جودت الأستغناء عن خدماته لكن بعد تدخل منصور عدل عن ذلك بنقله للمصنع الجديد بـ6 اكتوبر كمسئول مبيعات ، خرج سامي و تسلم عمله الجديد بالمصنع و علم بما فعله وقاله عارف فهيم في غيابه وهو مريض فاصر على أن يرد له الصاع صاعين ، مضت ايام عدة ثم جاء رجل الى الشركة مبكرا جدا يطلب مقابلة المهندس جودت لم يكن احد موجود سوى عارف فهيم ، أدخلته السكرتيرة لعارف ، أقنعه الرجل انه مسئول مهم بأحد سلسلة السوبر ماركت الكبيرة بالبلد و أسمه عادل الشاعر وان المهندس جودت كان قد كلفه بأحضار نوع معين من الزبد الأمريكي المستورد لوالدته ، وأن الشحنة وصلت لتوها من الولايات المتحدة وقام الشاعر بالأحتفاظ بكمية للمهندس جودت يريد ان يسلمها له ، لكنه غير موجود بينما عادل الشاعر في عجالة من أمره ولابد من تسليمها الأن ، في البداية أشار عليه فهيم بالأتصال به من السكرتارية ، خرج الرجل امسك بالهاتف وتظاهر بالأتصال ثم عاد وقال له انه لا يرد ، و بعد حوار ودي جدا مع الأستاذ عارف تبين فيه أن الرجل على دراية جيدة بمدينة البدرشين وعائلاتها و بمجموعة شركات الدتور شامل وقدامى الموظفين بها ، شعر عارف بألفة و اطمئنان نجح الرجل ان يدخلهما عليه ، ثم أستأذن وهم بالأنصراف ، لحق به عارف فهيم عند مدخل الشركة بعد أن قرر ان يستلم العبوات مجاملة للمهندس جودت و ليكسب معرفة هذا الرجل ، فاجأه الشاعر ان العبوات ليست معه لكنها في مخزن مبرد على مقربة حتى لا تفسد ، لم يستطع الحدق التراجع فقد قرر ان يفعل ذلك وتخيل أن جودت سوف يمتن كثيرا لتصرفه هذا خاصة وانها لوالدته ، طلب عارف من أثنين من السعاة الذهاب مع الرجل لأحضار الزبدة ، ثم همس للرجل مستفسرا عن القيمة فأخبره انها ألف وخمسمائة جنيها ، عد عارف المبلغ جيدا من جيبه الخاص قبل ان يعطيه لعادل الشاعر ، كان محرك سيارة الشاعر دائرا ، علل الشاعر للسعاة ذلك بان البطارية بها مشكلة ، ظل الرجل يسير في شوارع كثيرة وجانبية يتحدث مع السعاة على انه سوف يمنحهما اكرامية كبيرة عندما يصل ، ثم طلب منهما النزول امام محل مغلق و أستأذنهما دقائق حتى يذهب يحضر المفاتيح ، نزل الأثنين ووقفا ساعة ، ساعتين ، ثلاثة ، أستبد القلق بعارف وجن جنونه ، يدخل ويخرج للمكتب في هيستيريا غريبة ، اتصل بالمهندس جودت يسأله عن أمر هذا الرجل ، كانت المفاجأة أن جودت لا يعرف شيئا عن هذا الأمر و ان والدته لا تحب الزبدة وبالذات الأمريكية لأنها شديدة الدسم!!!!!!! انهار عارف الحدق تماما و أغلق عليه مكتبه ، ابتلع الموقف حتى لا يضحك عليه الشركة ، جاء السعاة وقد انهكهما الأنتظار ، ادخلهما عارف و أغلق المكتب ليعرف منهما القصة ، نفى عارف بعد ذلك أن يكون قد دفع مقابلا للرجل حتى لا يتهم بالسذاجة التي لا تليق بمدير مالي محنك مثله، لم يكن المبلغ الذي دفعه الحدق هو الذي ألمه فقد تعرض لمثل هذه الأمور كثيرا ، لكن الموقف نفسه كان مهينا جدا له ، فمعلومات الرجل التفصيلية ودراسته الجيدة لشخصية الحدق وحسابه لردود أفعاله كانت مذهلة وكان واضحا ان أحدا قد أعطاه كل المعلومات اللازمة لأتمام المهمة بنجاح ، حار تفكيره في تحديد الفاعل الحقيقي لكن دون جدوى وبالطبع كان جودت اول المتهمين في نظره ، حاول فهيم ان يلقي باللأئمة على السكرتيرة لأنها ادخلته له ثم حاول أن يلقي بها على حسناء لأنها حضرت المقابلة في مكتبه ، كان يحاول أن يلقي بالمسئولية على شخص اخر غيره ،وفي الجلسة المسائية تحلق الخمسة الكبار مع المهندس جودت و سامي الأمير على مائدة مستديرة ووليمة كوميدية دسمة جدا يتوسطها عارف فهيم الحدق مدهونا بالزبدة الأمريكية !!!
فور ان أنشأ جودت الشركة ألتفت حوله مجموعة من المقاولين الذين عملوا معه قبل ذلك وحفنة من الأصدقاء والأقارب الذين أرادوا أن يستثمروا علاقتهم به و ينتفعوا بالوضع الجديد له ، جودت كان حريصا أيضا في قرارة نفسه على وجودهم معه و تثبيتهم حوله فهو واثق أن لعابهم سال للربح العالي وبالتالي سوف يسهل عليه الضغط عليهم و تمرير مكاسب طائلة لحسابه من خلالهم لثقته فيهم و في ولائهم اليه على مبدأ ( كله يكسب ) وبدأ جودت تنفيذ مشروع جديد و ضخم لصالح مجموعة شركات الدكتور يستمر لسنوات عدة ، توطدت خلاله علاقته بهم ، فكان لابد أن يلتقيهم يوميا في أحد المراكب العائمة المملوكة للدكتور أيضا و السهر سويا حتى ساعات الصباح الأولى ، بدأ جودت يتأثر للغاية بشخصية الدكتور شامل و أسلوبه وطريقة كلامه وتفكيره فكان يحاكيه في كل شيء حتى السيجار والصحبة التي تجلس حوله يوميا تتملقه وتثني على قدراته الخارقة في التعامل مع الدكتور وادارة الأمور على أفضل ما يكون و أحباط محاولات رجال الدكتور في الأطاحة به أو الوشاية ضده لدى الدكتور كل يوم ، كان قسما كبيرا من أحاديث الجلسات المسائية تدور حول العمل ما تم والمزمع عمله غدا ومستقبلا ، لكن الأمر لا يخلو من طرفة أو ضحكة أو قفشات أو التطرق لموضوعات أخرى عامة على سبيل الدردشة ، وقضاء الوقت وبالطبع بدأ بعضهم ينفر من بعض و تحول التنافس بينهم للتقرب من جودت الى كراهية متبادلة وصراع بارد كل منهم يريد ان يتقرب على حساب الباقين ، و يبدو ذلك جليا في تباين الأراء في أي موضوع حتى لو كان بديهيا ولا محل فيه لخلاف ، جودت كان سعيدا بروح الكراهية والصراع السائد بين محيطيه فهى ترضي غروره جدا لأنه تملكهم جميعا ويتنافسوا على ايهم يكون ألأقرب اليه كما انها تضمن له عدم اتفاقهم ضده كذلك فأن التباين والتضاد يفرز تيارات متعاكسة الرؤى تفتح له منابع لأفكار جديدة يستخدمها جودت لأثراء خبرته العملية والأدارية و الأستثمارية ، و بدأت الصحبة شيئا فشيئا تتدخل في خصوصيات الشركة بحجة المشورة والأدلاء بالرأي والتسابق على اظهار خوفهم على جودت وحرصهم على مصلحته و توفيرا للنفقات فهم يعرفوا مدى حبه للتوفير جدا ، و أصبح أسمهم المعروف همسا بين موظفي الشركة ( الخمسة الكبار) حيث لا يجروء احد على التعليق على اسعارهم العالية مقارنة بأعمالهم السيئة وهم الشيخ فادي عثمان مقاول الكهرباء والمهندس عاطف سيدهم مقاول عزل ، والمهندس احسان الراوي مقاول في كل شيء ، والحاج مسعود حافظ مقاول الصحي ، و سعيد بشلة مقاول الرخام ، و على الرغم من كونه ليس مقاولا ولا موردا كان منصور جريشة صاحب مقعد مقرب جدا و ثابت واساسي في اللقاءات المسائية لكنه بالطبع كا ن يستفيد بعقود تامين كبيرة من الشركة الجديدة ، ، وكان يغار جدا على علاقته بجودت ولايرضى عن المقعد الأدنى بديلا ، منصور كان أبن نكتة ذكي وعصامي اعتمد على نفسه وسافر للعمل في انجلترا ثم عاد وأحترف التأمين ، مهنته كانت غالبة على طريقته في الحياة وعلى شخصيته فهو لبق جدا ومتكلم ويجيد لعب دور المستشار كان صاحب اقوى العلاقات بجودت و أكثرها ثباتا واستقرارا ، استطاع أن يجذب جودت لعالمه و يغمسه في الجو الأسري المتوفر في بيته بالدقي فزوجته طاهية ممتازة ومحبة لزوجها منصور لأبعد حد و بالتالي لكل معارفه واصدقاؤه ، وكيف لا وقد تزوجها رغم تواضع مستواها الأجتماعي مقارنة به ، كانت شريكته في كل شيء حتى العمل كانت تشاركه انتاج عقود التأمين بعد ان علمها ورسخ قدميها لأنه كان مريض بنوع متقدم من السكر والكلى، ومنصور رجل فكاهي و صاحب تقاليع و تغيير مستمر في طريقة حياته ، فهو ملول بطبعه يحب التجديد المتواصل ، لقد نجح منصور في ان يجعل جودت يحبه كأنسان و صديق ، وان يغلب هذا الشعور على علاقة المصلحة والمنفعة التي توارت خلف هذا الغلاف الدافىء من العلاقة الأنسانية ، نجح في ذلك لأنه بفطنته ادرك أن جودت يفتقد هذا الجو في بيته لدرجة تجعله كلما نجح في عمله أكثر يبتعد عن البيت أكثر فاكثر ، ولا يريد العودة بحجة العمل و الأنشغال المستمر ، الوفاق الزوجي كان مفتقدا تماما بينه وبين حرمه مدام نجوى ، ربما تسرع في الأختيار او ربما اختلاف الأمزجة أو ربما أنصب أختياره على تماثل الغنى والثروة بينهما فقط دون نظر لاعتبارات أخرى ، أو ربما عدم قدرته هو على أنجاح العلاقة فهو مسئول ايضا عن هذا الأخفاق ، نجوى كانت من رواد النادي فتاة تعيش حالة من الأرستقراطية الطارئة ، الثروة في عائلتها ليست موروثة ولكنها مكتسبة من خلال تجارة والدها ، تعرف عليها وقرر الزواج منها رغم رفض الأم و تحفظ الأب عليها ، كان السن بينهما متقارب ويرى الوالدين انه كان بامكانه الفوز بشيء افضل ، لكنه أصر واراد أن يكون أختياره نابعا من رأيه على أعتبار أنه هو الذي سوف يتزوج ، وأيا كان سبب عدم التوافق الأسري بينهما ، ألزم جودت نفسه بحتمية استمرار هذا الزواج وان فكرة الأنفصال غير مطروحة تماما فمن الغباء ان يكرر التجربة القاسية لأبيه وأمه وان يساهم في معاناة ولده وأبنته مما عانى هو منه سابقا لا سيما وأنهم في مطلع سن الشباب وبحاجة لوجود ترابط اسري ، لذلك استمر جودت لكن في المقابل تحول منزله الفخم الى مكان خرب من المشاعر الأسرية و العلاقات الحميمية بين الأسرة و أستحالت الحياة فيه الى برودة موحشة ، نجوى لا تجيد الطهي ولا تجيد الشئون المنزلية لكنها تعتمد على الطباخة والخادمة لكن جودت يأنف من هذا الطعام ولا يستسيغه ، الأب مشغول بعمله طوال اليوم والأم أيضا لها حياتها الأجتماعية بالنادي وكذلك الأبن والبنت لكل منهما عالمه الخاص من الأصدقاء ،بمرور الوقت ازدادت حالة الأحتقان داخل الأسرة و دار بين الزوجين حالة من الصراع لأستقطاب الأبناء كل لصفه ، أهتم جودت بالأبن جدا كان هو أمله ويرى فيه خليفته المستقبلي الذي سوف تؤول له الثروة ، فاهتم كثيرا بدراسته و ترغيبه في رياضة الفروسية وأرساله للبطولات في اوروبا بمفرده لشهور عدة ، حاول جودت ان يصطحبه ويصادقه ويقترب منه ، بينما عملت الأم مع الفتاة الشيء نفسه ، الفتاة كانت متفوقة دراسيا لكن علاقتها بالأب كانت باردة لأبعد حد ، هو أيضا لم يبدي تجاهها الأهتمام ذاته الذي وجهه للأبن ، كانت الأم قلقة جدا على الفتاة التي انهت دراستها في أحدى كليات القمة بتفوق لكن على الرغم من الثراء والمركز الأجتماعي المرموق و العلاقات المتشعبة هنا وهناك التي تتمتع بها الأسرة فلم يتقدم أحد لخطبتها ، جودت شخص غير محبوب في النادي وكثير من الناس تتجنبه و لا تسعى للتعامل معه والأقارب ليس لديهم العريس المناسب من حيث السن ، الفتاة نفسها كانت متعالية جدا ومغرورة بشكل مستفز ولا تجيد تقديم نفسها كفتاة تصلح لأن تكون عروسا ، نجوى كانت تتهم جودت بالمسئولية عن هذا التأخير فهو غير مهتم بالأمر والوقت يمر و هوعاجز ان يستثمر علاقاته الكثيرة في اختيار عريس مناسب للفتاة ، بينما جودت يرى انه لن ينشر أعلان ليطلب عريس لأبنته وأن هذا هو دور الأم من خلال سيدات المجتمع من معارفها وانها لو كانت تجيد بناء علاقات صداقة جيدة لنجحت في حل هذه المشكلة ، جودت من وقت لأخر و تحت ضغط زوجته كان يفكر في بعض الموظفين لديه ، فكلهم من الشباب الصاعد ، لكن طبقيته وفارق المستوى المادي الكبير والأجتماعي ايضا كان يقضي على الفكرة في مهدها فكيف يزوج ابنته لشخص ثم يصرف هو عليه ، في ظل هذه الأجواء المتوترة أبتعد جودت عن البيت حتى لا تحدث المشاجرات الدائمة بينه وبين نجوى مما يؤثر على نفسية الأبناء ، والتقطه منصور صديقه يعوضه جزئيا عن هذه الحاجة الداخلية . بينما كان أحسان أحد اقارب جودت من ناحية أمه يسعى هو الأخر للتقرب من جودت ليحافظ على نصيب من مكاسب الوضع الجديد لقريبه فهو يرى أنه أولى الناس بالأستفادة من جودت ، لم يكن جودت متحمسا لوجود أحسان أبن عم والدته معه في العمل كان يرى ان علاقة القرابة سوف تؤثر سلبا على سير العمل بينهما لكن توصية الأم وألحاحها بأن يساعده لأن لديه أولاد كثيرين جدا و يحتاج لمساعدة ، هذا هو الذي جعله يقبل على مضض فأسند له بعض اعمال المقاولات ليكسب منها شيئا من المال ، كانت شخصية أحسان مختلفة عن جودت تماما فأحسان شخصية أنبساطية هادىء جدا ودائم الأبتسام والعمل بالنسبة له وسيلة وليس غاية فهو وسيلة لكسب الرزق و تربية الأبناء حتى يتزوجوا ويستقلوا بحياتهم فهو لا يسعى لتكوين ثروة هائلة بقدر ما يريد ان يستمتع و أن تستمتع أسرته برحابة العيش وجمال الحياة ، كان رجل اسري من الطراز الأول يحب البيت و جلسات الأبناء من حوله ، تمتلىء جدران منزله بصور عائلية كثيرة وصور لأفراح بناته في الكوشة وصورة فرحه تتوسطهم ، فهو يعتز بها كثيرا لأنه يحب زوجته فريدة للغاية وهى كذلك ويظهر جودت في الصورة وقد كان لا يزال طفلا يقف بجوار (انكل) احسان الجالس الى جوار عروسه في الكوشة ، منزله يعج بألاحفاد والدفء والحركة العائلية متواصلة حيث البيت محطة لكل بناته المتزوجات ، بنت قادمة تزور أبوها وأخرى تودعه عائدة لمنزلها وهكذا ، أحسان لأنه مهندس معماري يحب الديكور جدا ، منزله في الدقي عبارة عن تحفة فنية رائعة الجمال لأنه دائم التواجد بالمنزل بعد أن يغلق معرض الأثاث الذي يملكه فأنه يتفنن في زخرفته و الأعتناء الشخصي به ، و أحسان أيضا رجل يجيد الطهى كأفضل شيف ويعشق الطعام جدا وهو ذواقة بطبيعته ، ولعل ذلك هو سبب بدانته المفرطة و جسمه البرميلي شديد الأمتلاء ، حقق احسان مكاسب جيدة من وراء جودت فتحت شهيته أكثر للمزيد لكن العناصر الأخرى المحيطة بجودت كانت تقيد حركته و تحجم من حريته في الأنفراد بجودت على نحو يرضيه ، حاول احسان أن يشد جودت لعالمه العائلي الكبير ، لكن علاقة القرابة كان تجعل الأخير يتحرج من تكرار الزيارة ، كان يشعر بالأرتياح اكثر في منزل منصور جريشة كما انه كان لا يرتاح لقريبه أحسان فهو يشعر ان احسان سعى ليوطد علاقته به مؤخرا فقط من أجل المصالح ، كان الأمر واضحا والا فأين كان أحسان قبل ذلك ، العلاقات العائلية بينهما كانت شبه مقطوعة بحكم الأنشغال في هموم الحياة ، ثم اعادها احسان من ناحيته راغبا في تقويتها ، وبذلك صار عداءا مفضوحا بين منصور وأحسان كلاهما لا يحب الأخر لكن منصور كان اكثر ذكاءا وحصافة حيث كان دائما يكشف نوايا أحسان وأهدافه أمام جودت الذي لا يعلق ، المهندس فادي عثمان ايضا كان واحدا من المحيطين شديدي الذكاء والمحافظة على علاقته بجودت طيبة جدا ، فادي رجل طويل اللحية يحب ان يلقبه الناس بالشيخ فادي فهو يعتبر نفسه رجل متدين ، يؤمن بتعدد الزوجات فقد سبق له أن تزوج عشر مرات ، ودائما يكون على ذمته أربعة نساء مستعد للدفاع باستماتة عن التعدد بالحجة والبرهان والدليل ، فادي ليس مهندسا لكنه دبلوم اكتسب اللقب بخبرته فهو يفهم مثل أي مهندس في أعمال الكهرباء لأنه محترف وأبن سوق في المهنة ، ينتمي لأرياف الدقهلية ، عاش حياة فقيرة جدا في شبابه لدرجة انه لم يكن في جيبه أجرة طبيب الولادة حينما استقبل مولودته الأولى فذهب بزوجته على دراجته البخارية وهى تعاني ألاام المخاض الى اقرب مستشفى حكومي ، سافر للعمل بالعراق واستطاع بذكائه وحسن حديثه ان يتعرف على مسئول البعث في شمال العراق انذاك وحقق مكاسب كبيرة قبل أن يعود ليبدأ عمله الخاص بفتح شركة أعمال كهربائية ، جاب ارجاء اوروبا بقطار الشرق قبل ان يتم وقفه وله فيها ذكريات ساخنة جدا!!! يعشق النساء عشق جنوني وله في وصفه لذلك رؤية ونظريات غريبة للتمييز بين أنواعهم المختلفة !! و على الرغم من كونه تخطى الخمسين ويعاني من مرض السكر الا انه مازال مقبل على الزواج معتبرا ان ذلك فريضة توجبها حالة العنوسة التي يمر بها المجتمع ، يحب الزواج من الفتايات الصغيرات ومن الطبقة المثقفة جدا والمتعلمة ، لديه قدرة خارقة على اقناعهن بالموافقة على الزواج منه رغم أنهن يكن جميلات جدا وصغيرات ورغم أنه لا يقدم سوى أشياء عادية من الأثاث والذهب غير انه يتكفل بكل شيء تقريبا ، فادي اصبح لديه عدد كبير من الأولاد والبنات يخطأ في أسماؤهم دائما ، مدخل فادي الدائم للحديث مع جودت هو المدخل الديني من القران والسنة ، جودت رجل قليل المعرفة الدينية بشكل مخجل لكنه بين الحين والأخر كان يواظب على الصلاة في مكتبه ، البعد الديني في تربيته كان هشا للغاية لذلك كان الحديث معه بلغة الدين مسألة لا يستطيع فيها اطالة الجدل والمقاومة ، كان فادي متميزا على كل المحيطين ومتفوقا عليهم في هذه الناحية ، فلا يفوقه أحد عند الحديث عن الدين غير أن الأمر في كثير من الأحيان لا يعدو ان يكون صادرا من حنجرته فقط ، كان يدرك أن المعرفة بالدين في المجتمع الشرقي اطار جيد لتقديم الشخصية للأخرين وتحقيق المكاسب فالدين له سطوة كبيرة واحترام بين الناس كما ان جهل المجتمع بالدين حاليا يجعل كل من يلبس عباءته موضع أحترام وتقدير وثقة من العامة لضعف معرفتهم وحاجتهم لمن يعرف أكثر منهم في هذا الطريق ، الحاج مسعود حافظ رجل محترم جدا مهيب الوجه ثابت الملامح لديه شركة مع اخوته تتطور بسرعة ، ليس معه أي مؤهل لكن خبرته الحياتية أعظم من أي دراسة واي شهادة ، فحديثه الفطري يقطر بالحكمة وتدل على رجل عرك الحياة ، لا يتحرك بدون محاسب ينظم له الأمور وفي كثير من الأحيان يتحدث بدلا منه ، جودت يحترمه ويجله كثيرا فلا يغضبه أبدا ، الحاج مسعود رجل يحترم نفسه جدا ويعتز بها و لا يرضى بأقل من مستوى معين من المعاملة ، فشركته متنامية ولها سمعة كبيرة في السوق وشهرة متزايدة ، ومنذ ان حدثه جودت بطريقة غير لائقة هاتفيا واغلق الحاج مسعود الخط ثم ما هى الا دقائق وكان مندفعا من مدخل الشركة لمكتب جودت ودفع الباب بقدمه ودخل على جودت وهو غضبا يصيح محذرا من تعامل جودت معه بهذا الأسلوب مرة ثانية و انه يختلف عن أي شخص اخر فأن جودت يخشاه ويهابه تماما ، المهندس عاطف سيدهم صديق دراسة للمهندس جودت منذ الطفولة في مدرسة سان جورج ثم الكلية وهو قبطي من أسرة ثرية جدا واليه يعود الفضل في تعيين صفوت لدى جودت ، جودت ضعيف جدا أمام هذه الصداقة ، يكره ان يغضب عاطف ، وجود عاطف و الحاج مسعود في السهرات المسائية طفيف جدا ، أنضم أخيرا لهذه الشلة المعلم سيد بشلة مقاول الرخام ، وبالمناسبة فهو يكره لقب المعلم جدا ويفضل بدلا منه لقب أستاذ لأنه عام وغامض ، سيد بشلة من منطقة السيدة عائشة في منتصف العقد الرابع من العمر ، لا يحمل أي مؤهلات دراسية ، بدأ حياته عامل تركيب رخام يجلس كل صباح على مقهى الصنايعية بميدان السيدة عائشة حتى ياتي الرزق ، تعرف سيد على جودت عن طريق أحسان ، ثم ما لبث أن أستقل بنفسه وتلقفه جودت ليصنع منه مقاول رخام واعد جمع سيد أشقاؤه الأشقياء وقرر ان يحولهم لفريق من الصنايعية يعمل تحت يده , أسمه الحقيقي سيد صبحي وشهرته سيد بشلة نظرا للبشلة الواضحة في وجهه من مشاجرة قديمة ، أجرى العديد من عمليات التجميل لأخفاءها دون جدوى ، سيد تحول في فترة قصيرة لمقاول كبير يركب سيارات فارهة ويمتلك ورشة كبيرة ويشتري رخام بكميات كبيرة من شق الثعبان لحساب جودت و مشروعات الشركة ، هو رجل متطلع جدا للمزيد من الصعود يحاول ان ينسج حوله كثير من القصص والحكايات ليغير الصورة القديمة عنه ، تعلم استخدام الكمبيوتر وبعض كلمات اللغة الأنجليزية لكن لهجة الصنايعية مازلت ناضحة على تعبيراته وطريقة نطقه فهو ينطق الطاء تاء فمثلا بدلا من أن يقول طن يقول تن و هكذا ،،،، انضم سيد لمجالسة الكبار و مجارتهم بغية تقليدهم و التعلم منهم ، وجوده كان وسيلة من وسائل الترفيه والمرح فحكاياته الملفقة وتعليقاته وطريقة تصرفه في المواقف المختلفة تدخل شيئا من الكوميديا على الجلسة و توقع الجالسين من الضحك عليه ، سيد نموذجا صارخا لأشياء كثيرة خارج نطاق الممكن والمعقول في حياتنا هذه الأيام فالسرعة التي تحول بها كانت مبهرة وتمثل دليلا على حجم العبثية التي يعيشها المجتمع ، سيد كان يشعر أن موظفي الشركة ينظرون اليه نظرة دونية ، الجميع كان يتعمد أن يقول له يا معلم سيد ، فكان يحاول أن يعاملهم بنفس الأسلوب وكثيرا ما عرض على احدهم ان يترك الشركة ويأتي ليعمل عنده بمرتب أكبر ويقول (مافيهاش حاجة) ( بيزنس أز بيزنس ) ، تلك هى المجموعة الرئيسية التي أحاط جودت نفسه بها بالأضافة لبعض الموظفين المتنطعين والذين كانوا يتطفلوا على هذه الجلسات ليشاركوا في العشاء و تدخين الشيشة ، كان جودت بحاجة ايضا لأن يقرب منه بعض الموظفين أصحاب المهارات الخاصة والذين لديهم القدرة على تقنين تصرفاته و معالجتها من الناحية الفنية كل في تخصصه حتى تبدو قانونية و لا تثير أي شكوك ، المهندس ماجد مرتضى كان واحدا من هؤلاء فهو كفء جدا فنيا كما انه غزير المجهود ويعمل دائما باقل تكلفة مما يضاعف ارباح جودت ويسعده ، لكن ماجد في المقابل يريد نسبة من الكعكة بالأضافة لمرتبه الكبير وميزات أخرى ، هو نسخة مصغرة من المهندس جودت ولديه هدف واضح هو تكوين ثروة تتناسب مع حجمه من وراء المهندس جودت وبأي ثمن و في سبيل ذلك كان على استعداد لفعل أي شيء ، ايضا صفوت كان المحاسب المسئول عن معالجة أمور كثيرة فنية وضريبية وبعد أن قرر جودت نقله للمصنع الجديد في 6 أكتوبر حتى ينهي مشكلاته المستمرة مع عارف فهيم كان خليفته رشدي الذي ورث كل عمله ، والثالث كان رمضان حمودة الذي يقع عليه عبء المهام الشاقة ودفع الرشاوي و تسويتها الخ.....، هذا الفريق كان يحب رشدي ان يطلق عليه فريق العمليات القذرة ، ومثلما كان الصراع دائرا بين المقاولين على التقرب لجودت كان صراعا مماثلا يدور بين الصغار من الموظفين ، لقد نجح جودت ان يجعل من نفسه محور تفكير كل هؤلاء مستغلا في ذلك أطماعهم في تحقيق المكاسب وجني بعض الثمار بينما أحتفظ لنفسه بالشجرة نفسها ، جودت كان لا يبين لأي موظف اهميته و لا حيوية دوره بالنسبة له فهذه قاعدة هامة و اذا ادرك أي موظف اهميته وتصرف بناءا على هذا فان جودت يضحي به على الفور لكن لا يتنازل ابدا امام موظف أو مقاول يلوي ذراعه ، لقد بلور جودت علاقته
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)